مقالات الرأي

الاحتفال بالفاتح من سبتمبر كـيوم وطني!

عبد الله الربيعي

من الأيام الوطنية المشرفة في تاريخ ليبيا والليبيين الفاتح من سبتمبر أنه يوم بداية الشرارة للثورة الحقيقية والمعركة الوطنية التي شارك فيها أبناء ليبيا من أقصاها إلى أقصاها، من شرقها إلى غربها ومن شمالها من سواحل المتوسط إلى مرزق في أقصى الجنوب، لم تكن ثورة قبيلة ولا ثورة تحالف قبلي ولا ثورة جهوية أو مناطقية أو ثورة فئة ضد أخرى، بل معركة وحدة وطنية.

لم يشهد لها التاريخ الليبي مثيلا إلا معركة القرضابية الشهيرة عام 1915 ضد الاستعمار الإيطالي التي كانت معركة الوحدة الوطنية الليبية ضد الإيطاليين الغزاة، ولقد أشرت في السابق أن من أسباب النصر وحدة الليبيين في هذه المعارك الوطنية وبقيادة وطنية سجّلت انتصارا باهرا على أعدائنا، ولن يكتب لنا النصر إلا بروح القرضابية وبروح ومبادئ الفاتح من سبتمبر، فهذه المعارك والتواريخ المجيدة في حياة شعبنا ملك لكل الليبيين الشرفاء، ويجب أن لا تجير لفرد أو لقبيلة أو لتحالف قبلي أو لحزب، بل هي إرث وتاريخ وطني جمعي مجيد للشعب الليبي العظيم، ويجب أن نحيي مثل هذه الأيام الخالدة من تاريخنا، لأنها أولًا انطلقت من إرادة شعبنا ومن وحدته وهزمت أعداءنا شر هزيمة، فقبل 1969 كانت ليبيا مستعمرة بريطانية أمريكية وإن أعلن الاستقلال في 24 ديسمبر 1951 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة!، إلا أن الاستعمار البغيض وجد الحيلة والظروف المواتية ليبقى جاثما على صدور الليبيين.

نحتفل بالفاتح كـيوم وطني عزيز على أنفسنا لأنه حقق الإجلاء التام للقواعد والقوات العسكرية البريطانية والأمريكية من أرض الوطن الطاهر، ولأن الفاتح من سبتمبر أخذ بثأرنا من المستوطنين الإيطاليين (فهو ثأر الأجداد كما هتف المرحوم مصطفى الخروبي في إحدى المناسبات)، فلم تنقضِ شهورٍ على ذلك الحدث التاريخي، إلّا وطرد 27 ألف إيطالي مستوطن ثأرًا لأجدادنا الذين قدموا أغلى ما يملكون، أرواحهم ودماءهم وعائلاتهم وضحوا بأملاكهم وعانوا الفقر والعوز والهجرة والغربة والنفي والتشتيت في داخل ليبيا وخارجها، ولقد خاض أبطال الفاتح من الضباط الأحرار ومن التف بهم وحولهم من القيادات الوطنية معركة بناء وتنمية استمرت متواصلة لثلاث عشرة سنة من عام 1973 إلى 1985 .

أوجدت ليبيا التي نعيش عليها وفوقها من طرق وشوارع ومساكن ومدارس ومستشفيات وبنية تحتية وجامعات ومعاهد وموانئ ومطارات، وحرّرت قطاع النفط من الأخوات السبع وأمّمت شركاتها، وقادت معركة صعبة مليئة بالتحديات والمخاطر من أجل سعر عادل لبرميل النفط الخام، حيث كان سعره أقل من دولارين عام 1970.ولأن الفاتح أعاد لليبيا وجهها العربي الإسلامي وحررها من التبعية وخلص إرادتها من الارتهان للأجنبي، لهذه الاعتبارات كلها الاحتفال بالفاتح كيوم وطني واجب وقيمة أخلاقية ومطلب شعبي وهو فوق كل تناقضاتنا وصراعاتنا وجهويتانا وانتماءات القبلية والمناطقية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والاحتفال بهذا اليوم الوطني يجب ألا يسخر لاستفزاز أحد!

فالمبادرة بتأكيد هذا المفهوم وعودة الوعي بهذا التاريخ سيكون له أثر عظيم في نفوس أكثر من 90 % من الشعب الليبي بكل مناطقه وقبائله وقراه ومدنه العامرة الحبيبة، والفاتح من سبتمبر هو يوم عيد الجيش وتأسيس القوات المسلحة العربية الليبية بهذا الاسم وبهذه المعنويات الوطنية وهي المكلفة بتحقيق سيادة ليبيا والدفاع عنها وتحقيق استقلالها المنجز من بين أيدي المتدخلين والطامعين في ليبيا وفي خيراتها وفي جغرافيتها الاستراتيجي.

زر الذهاب إلى الأعلى