مقالات الرأي

مواجهة التحديات تتطلب رؤية وطنية وخيارات واضحة

محمد علوش

لقد عادت القضية الفلسطينية في بؤرة اهتمام المجتمع الدولي من جديد، بفعل كل هذه التضحيات العظيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني البطل، وعلينا بذل قصارى جهدنا من أجل مطالبة العالم والمؤسسات الدولية برفع الظلم التاريخي الواقع على شعبنا، ولتكن الأولوية الوطنية في الوقت الراهن هي انتهاز الفرصة السانحة التي حققها الحوار الفلسطيني في الصين، وترك الخلافات جانبًا وتحقيق الوحدة والمصالحة الشاملة بين كافة الفصائل الفلسطينية.

علينا إعادة النظر بكل خياراتنا ومواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية وما يواجهه شعبنا من حرب شاملة ومصيرية عنوانها الأبرز الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من قبل كيان الاحتلال، وتأكيدًا على جملة التحديات التي نواجهها داخليًا وخارجيًا، فإن الجميع يتطلع إلى البدء الفوري بترجمة ما تضمنه “إعلان بكين” الأخير الذي وقعت عليه كافة القوى والفصائل الفلسطينية، وبما ينبثق عنه من توجهات سياسية وسياسات اجتماعية واقتصادية، ليكون على مستوى هذه التحديات، حيث إن قراراته ومخرجاته الوطنية يجب أن تشكل رافعة لمرحلة جديدة من العمل الوطني ولإعادة صياغة هذا الواقع الوطني، وبما يساهم في صياغة استراتيجية عمل وطني فلسطيني جديدة، تستجيب لهذه التحديات وتشق طريقًا نحو الحرية والاستقلال وبناء الدولة ومؤسساتها على أسس ديمقراطية تعددية.

نحن بحاجة إلى رؤية جديدة تدفع باتجاه استكمال مهام عملية التحرر الوطني من الاحتلال الإسرائيلي واستكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المنشودة وتعزيز بنية النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، لذلك لا بد من تطوير برامج عملنا لتأخذ بعين الاعتبار أداة المقاومة الشعبية والاشتباك السياسي والدبلوماسي والقانوني مع الاحتلال في برامج عملنا سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي، ولفضح وعزل دولة الاحتلال وإجراءاتها التعسفية المنافية لأبسط قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومن هنا تبرز القيمة الأساسية للإعلان الذي يمثل القواسم المشتركة إلى استنهاض الفعل الوطني واستنهاض منظمة التحرير الفلسطينية بمختلف مؤسساتها، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية والسياسية بين كافة قوى وفصائل العمل الوطني.

إن رؤيتنا يجب أن تكون محددة وواضحة بالعمل على صياغة استراتيجية وطنية جديدة تؤكد على رفض العودة لأي صيغة تفاوضية مع حكومة الاحتلال وبالرعاية الأمريكية المنفردة والمنحازة لإسرائيل، باعتبارها صيغة أثبتت التجربة عقمها، وعلينا التأكيد على التمسك بمبدأ عقد المؤتمر الدولي متعدد الأطراف من أجل القضية الفلسطينية وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، وأن أي انخراط في أي عملية سياسية مع دولة الاحتلال يجب أن يسبقه اعتراف مسبق بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وقبولها بمرجعيات عملية السلام المعتمدة دوليًا، ووقف الاستعمار الاستيطاني الذي تسعى حكومة الاحتلال عبره لتدمير ما تبقى من “حل الدولتين”، وبالتوازي مع ذلك صياغة برنامج عمل وطني يعتمد المقاومة الشعبية لمواجهة الاستيطان وعربدة حكومة نتنياهو العنصرية والفاشية، واستخلاص الدروس والعبر من كافة جولات الحوار السابقة لإنهاء الانقسام من خلال إدراك أن الانقسام طال أمده وأفرز معه من المعطيات والمتغيرات ما يهدد وحدة شعبنا وأرضنا وقضيتنا، مما يستوجب قراءة معمقة لأسبابه ونتائجه، وبالتالي الخلوص إلى رؤية جديدة ونوعية لوضع حد لهذا الانقسام الكارثي والمدمر انطلاقًا من التزامنا بما وقعنا عليه من اتفاقيات، وفي المقدمة منها تشكيل حكومة وفاق وطني، على أساس برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وبسقف زمني محدد ينتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للمجلسين الوطني والتشريعي، لتنهي حالة الانقسام، وبما يؤدي إلى وحدة النظام السياسي الفلسطيني وتصليبه لمواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية.

نحن بأمس الحاجة لمثل هكذا استراتيجية وطنية جامعة تأخذ بعين الاعتبار التعاون والتنسيق لتهيئة الأجواء والمناخات لانعقاد المجلس المركزي الفلسطيني كضرورة وطنية لتجديد الشرعية الوطنية، وتبني استراتيجية وطنية سياسية وكفاحية ببرنامج إجماع وطني يهدف إلى النهوض بالواقع الفلسطيني وعلى كافة الصعد في مواجهة حرب الإبادة الجماعية وكافة إجراءات الاحتلال العدوانية والعنصرية.

علينا التأكيد على أهمية استمرار الدبلوماسية الفلسطينية بالنشاط والعمل مع كافة دول العالم لكسب المزيد من الاعتراف بدولة فلسطين، ورفع التمثيل الدبلوماسي لديها، مع تمسكنا بحقنا باعتراف العالم بنا كدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، وملاحقة تداعيات وعد بلفور المشؤوم على الشعب الفلسطيني مع المملكة المتحدة البريطانية، وكذلك تطبيق القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي نفذ الشق الأول منه بقيام دولة “إسرائيل” ولم ينفذ الشق المتعلق بقيام دولة فلسطين، ولفضح سياسات هذا الاحتلال المنافية لأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، وملاحقة كل المسؤولين فيه عن جرائمهم بحق شعبنا أمام المحكمة الجنائية الدولية.

لقد عادت القضية الفلسطينية في بؤرة اهتمام المجتمع الدولي من جديد، بفعل كل هذه التضحيات العظيمة التي يقدمها شعبنا البطل، وعلينا بذل قصارى جهدنا من أجل مطالبة العالم والمؤسسات الدولية لرفع الظلم التاريخي الواقع على شعبنا، ولتكن الأولوية الوطنية في الوقت الراهن انتهاز الفرصة السانحة للسعي وراء الأرضية المشتركة التي حققها الحوار الفلسطيني في الصين، مع ترك الخلافات جانبًا وتحقيق الوحدة والمصالحة الشاملة بين كافة الفصائل الفلسطينية، وبلورة موقف أكثر اتحادًا وتحديد الهدف المشترك، انطلاقًا من المصلحة الأساسية لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، بما يهيئ ظروفًا لازمة لتحقيق الوقف الدائم لإطلاق النار في قطاع غزة ووقف الحرب الإرهابية التي يتعرض لها شعبنا الأعزل، وإقامة الدولة المستقلة وذات السيادة الوطنية وعلى أسس ديمقراطية راسخة.

زر الذهاب إلى الأعلى