مقالات الرأي

ديمقراطية العصا والجزرة

ناجي إبراهيم

الديمقراطية هي حلم يراود كل الشعوب أفرادًا وجماعات، ومن أجل تحقيقها دفعت الشعوب أثمانًا باهظة دماءً واعتقالًا وحتى تهجيرًا ونفيًا، ولم يتوقف السعي نحو بلوغها، رغم الخداع الذي أوقعتنا فيه البرجوازية الفرنسية عندما تبنت مفاهيمها ورفعت شعاراتها ولترث من خلالها المجتمع وحولتها أداة تحمي امتيازاتها الجديدة وتحافظ عليها ولم يحكم الشعب، وسقط الباستيل ليحكم روتشيلد وتورات عائلة لويس التاسع عشر لصالح الماسونية.

ترامب المترشح الرئاسي والرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية يصرح في إحدى التجمعات الانتخابية أنه سيفوز في السباق للبيت الأبيض إذا أجريت انتخابات حرة ونزيهة، واتهم خصمه الديمقراطي بتزوير الانتخابات، وأعرب الرئيس بايدن عن مخاوفه بأن انتقال السلطة لن يمر بطريقة سلمية في حال خسارة ترامب للانتخابات، هذا اعتراف صريح بأن الانتخابات يمكن تزويرها من أكبر الدول التي تدعي الديمقراطية.

ونحن لا نشك مطلقًا في جملة الأزمات والمعضلات التي تواجهها النظم النيابية التي من بينها تزوير الانتخابات وشراء الأصوات وسطوة رأس المال الذي يشكل تحديا كبيرا يواجه شفافية ونزاهة العملية السياسية برمتها، مما يجعلها نظما فاسدة ودكتاتورية ترسخ هيمنة الطبقة الرأسمالية على دواليب صنع القرار لخدمة مصالحها وأهدافها ويمنع وجود تشريعات تقلص سيطرتها على الاقتصاد وعائداته النقدية وتضيق من حجم قاعدة الفقر التي تتوسع بشكل مخيف.

هذه المخاوف ليست جديدة، وهي موجودة ومصاحبة للنظام السياسي النيابي منذ تشكله، الإعلان عنها والاعتراف بها من السياسيين في أمريكا والغرب هو الجديد، ربما ذلك التصريح بفشل النظم السياسية النيابية مقصود، ولكنه جاء في خضم الدعايات الانتخابية والصراع الذي يظهر للمتابعين أنه سلمي، وبل يراه البعض إحدى صور الديمقراطية وتجلياتها، غير أن المتعمق في لب هذا الصراع لا يراه كذلك، حيث إنه ينتج ضحايا وتترتب عنه خسائر لا تظهر في البلدان الإمبريالية التي تعوض تكاليف هذه المعارك بمعارك تخوضها في الساحة الدولية حربًا وسلمًا.

رغم ما تنقله لنا وسائل الإعلام من (أعراس) ديمقراطية كما يحب بعض المبهورين تسميتها إلا أنها تخفي صورًا أخرى من الآلام والدموع والتهميش والإقصاء، طوابير من الفقراء الذين لا يملكون رفاهية الوقوف في طوابير تلك الأعراس التي تصرف تكاليفها من جيوبهم، كما ينفقون على حروبهم فيما بعد منها لتنفذ وعودًا انتخابية قطعوها “للوبيات”: المال وصناع السلاح والمضاربين في أسواق البترول.

الديمقراطية هي حلم يراود كل الشعوب أفرادًا وجماعات، ومن أجل تحقيقها دفعت الشعوب أثمانًا باهظة دماءً واعتقالًا وحتى تهجيرًا ونفيًا، ولم يتوقف السعي نحو بلوغها، رغم الخداع الذي أوقعتنا فيه البرجوازية الفرنسية عندما تبنت مفاهيمها ورفعت شعاراتها ولترث من خلالها المجتمع وحولتها أداة تحمي امتيازاتها الجديدة وتحافظ عليها ولم يحكم الشعب، وسقط الباستيل ليحكم روتشيلد وتورات عائلة لويس التاسع عشر لصالح الماسونية.

رغم هذا الكم من التجهيل الذي تمارسه آلة الدعاية الرأسمالية بكل أدواتها إلا أن الشعوب فهمت وتيقنت أنها وقعت في فخ، وما حدث كان خديعة وعملية نصب تاريخية مارستها القوى الساعية للاستحواذ على الثروات والذي لن يتحقق لها دون الإمساك بالسلطة، وكان لها ما أرادت، وانعكس وعي الشعوب بما مورس عليها من خداع من خلال حركاتها الاحتجاجية ومعارضتها لسياسات حكوماتها وعزوفها الذي يتسع بشكل مطرد للعمليات الانتخابية.

كيف تحولت الديمقراطية إلى شعار للتدخلات الخارجية؟ وكيف سعت دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى خلق نظم سياسية تشبهها رغم اختلاف البيئات والثقافات؟ليس أمام الغرب الاستعماري بعد أن سقطت كل شعاراتهم وانكشفت أهدافهم إلا البحث عن عناوين جديدة تغوي الشعوب ولا يرفع فيها السلاح وتستخدم المفاهيم الديمقراطية والحقوقية، بالربط بين الحقوق والحريات والديمقراطية بالإغراءات تارة وبفرض العقوبات تارة أخرى (العصا والجزرة)، بلدان عديدة تحولت إلى النموذج الغربي طمعا في الجزرة وأخرى واجهت عدوانا مسلحًا بحجة تطبيق الديمقراطية، في مختلف ساحات العالم شهد صراعات لم تكن معتادة وتحولت بلدان عديدة إلى متسول لجزرة الصندوق الدولي التي لا تنبت إلا فقرا وتدنيا في قيمة العملات المحلية، وتوسعت مساحات الفقر ناهيك عن الحروب والصراعات العرقية والإثنية والطائفية وحتى القبلية، وبلغ الأمر ببعض الدول التي نسجت لها دساتير تقيم نظام الحكم على المحاصصة الطائفية والقبلية والمناطقية أنها لم تسطع تشكيل حكومة ترضي أطراف المحاصصة..مثلا:

العراق التي جلبت لها الدبابات الأمريكية نظاما ديمقراطيا عام 2003، منذ قرابة سنة لم تنجح في انتخاب رئيس للبرلمان.

لبنان قصر بعلبك مضى على إغلاقه أكثر من عام.

ليبيا التي أدخلها الناتو في نظام محمول على أجنحة الرافال الفرنسية والـ “أف 16” الأمريكية تحكم ببرلمانيين وتعطل فيها الانتخابات بفعل القوى القاهرة.إذا كانت الانتخابات في عقر دار الديمقراطية تطاردها شكوك بالتزوير وغياب الشفافية ومهددة بانتقال دموي، كيف ستكون حرة وشفافة في بلد تحكمه الميليشيات ومنقسم.

زر الذهاب إلى الأعلى