مقالات الرأي

الهجرة والصحة

علي المبروك أبوقرين

يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمعرفة الأوضاع الصحية للمهاجرين واللاجئين والنازحين والعمالة الوافدة، وتنفيذ برامج التحصين الكافي لهم وللمجتمعات لتوفير خدمات صحية متكاملة وعادلة لحماية صحة السكان والمهاجرين، ولأن ليبيا بلد العبور وضحية لتدفقات الهجرة القادمة من الجنوب والزاحفة شمال المتوسط يجب أن تخصص موازنات مالية ومرافق صحية متكاملة الخدمات لتقديم الخدمات الصحية للمهاجرين واللاجئين والعمالة الوافدة والذين جميعهم يمرون بظروف معيشية وصحية بدنية وعقلية صعبة جدًا لما يتعرضون له من مشاق الطريق والاحتجاز القسري والتعذيب والمعاملة السيئة والاعتداءات من قبل العصابات الإجرامية ومافيات تجارة البشر .

الهجرة واللجوء والنزوح ديناميكية مستمرة في تاريخ البشرية للهروب من الفقر والحروب والصراعات والكوارث الطبيعية، وللبحث عن حياة أفضل وأكثر أمنًا واستقرارًا، وهناك المهاجرون طوعًا بطرق مشروعة وقانونية أو بطرق غير مشروعة، واللاجئون هم المجبرون على ترك مواطنهم الأصلية، والنزوح يحدث للمجتمعات المحلية نتيجة الصراعات أو الكوارث الطبيعية، ولا يوجد تعريف مقبول ومتفق عليه عالميًّا لمصطلح المهاجر وفقًا للاختلافات القانونية والتشريعات بين البلدان، ولكن استحقاق الوصول لخدمات الرعاية الصحية الأساسية حق أصيل وعالمي بموجب القانون الدولي، وأن العالم اتفق على أن الحق في الصحة أساسي لكل إنسان، وأن الدول ملزمة بحماية هذا الحق الأصيل وتعزيزه والدفاع عنه، ووُضِعت الالتزامات الدولية والإقليمية لدعم هذا الحق وبما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة 2030، ولِمَا أكده اجتماع مراكش بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين وحق كل إنسان في الصحة دون تمييز والذي حدده إعلان الرباط بالالتزامات المتعلقة بصحة اللاجئين والمهاجرين، ويسبقه نص الميثاق الاجتماعي الأوروبي عام 1961، وميثاق الاتحاد الأوروبي عام 2000 على حق كل فرد في الحصول على الخدمات الصحية العلاجية إلى جانب الحق في ظروف عمل صحية وآمنة.

ولا يقل عن 4% من سكان العالم مهاجرون ولاجئون، وللأسف النسبة الأكبر منهم من دول العالم الثالث من أفريقيا والدول العربية وما في ظروفهم من دول العالم، وليبيا نظرًا لموقعها الجغرافي وتمتعها بساحل طويل على البحر الأبيض المتوسط ويحدها 6 دول بشريط حدودي يمتد للآلاف من الكيلومترات ونظرا لما تمر به البلاد من أوضاع صعبة فاقم من تدفق المهاجرين واللاجئين والعمالة الوافدة غير المقننة، وكثير من دول المصدر تعاني من أوضاع صحية صعبة وأمراض كثيرة ومتعددة وتنتقل مع حركة الهجرة واللجوء والنزوح، ومنها مرض نقص المناعة (الإيدز) والالتهاب الكبدي الوبائي والسل والزيكا والإيبولا والتيفود، والعالم يمر الآن بمرحلة الأمراض المعدية والوبائية ومنها المستجدات مثل الكورونا ومتحوراتها وإنفلونزا الطيور المتحولة للأبقار والثدييات، وعودة الحصبة وحمى الضنك وغيرها من الأمراض الخطيرة.

والعلاقة بين الصحة والهجرة والنزوح معقدة جدا وتختلف بين مجاميع المهاجرين والأفراد ومراحل الهجرة، والوضع الصحي الليبي هش مما زاد الأمور تعقيد، ولعدم توفر قاعدة بيانات صحية شاملة لليبيين والسكان الأصليين بما في ذلك البيانات الروتينية غير واضحة وغير مكتملة لعمل دراسات استقصائية، ونظرا لعدم وجود علاقة بين مكافحة الأمراض وبرامجها وبين المستشفيات وتطبيقاتها وسجلاتها، وغياب البيانات الصحية بين المستشفيات وبعضها، وعدم وجود علاقة بين قطاع الصحة والقطاعات الأخرى المعنية ومنها حرس الحدود ومكافحة الهجرة ومديريات الأمن ومكاتب العمل والجوازات والجنسية والمنظمات المعنية بالمهاجرين واللاجئين، كل ذلك فاقم من التعقيدات بين الصحة والهجرة لعدم توفر بيانات صحيحة عن أوضاع المهاجرين وأعدادهم وفئاتهم والمشاكل الصحية والوفيات وأسبابها، والأمراض في بلدانهم وفي المسار الذي يسلكونه حتى الوصول إلى ليبيا، ونظرا للتدفقات الكبيرة وغير المشروعة وغير القانونية وتخضع في مجملها لجرائم الاتجار بالبشر يصعب على القطاع الصحي معرفة تواجد مجاميع المهاجرين الذين غالبًا ما يكونون في أماكن الاحتجاز الإجباري المكتظة وغير الصحية ولا تتوفر بها النظافة والصرف الصحي وعدم الحصول على التغذية الصحية السليمة ولا مياه الشرب النقية مما يفاقم الأوضاع الصحية الصعبة للمهاجرين ومنهم الحوامل والأطفال، والبعض الآخر وهم بالملايين يندمجون في المجتمعات ويعيشون بينهم وغير معروف أوضاعهم الصحية، ومنهم من يمارسون أعمالا لها علاقة مباشرة بصحة وحياة الناس، ولا تتوفر لهم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، شعب آخر من جنسيات مختلفة بدون بيانات ومعلومات صحية واضحة عنهم يعيشون بين الليبيين في انتظار مؤقت لاستكمال مراحل الهجرة لما بعد المتوسط، وللأسف لا يوجد في ليبيا بحث واحد عن صحة المهاجرين واللاجئين والعمالة الوافدة غير المقننة، وبدون البيانات والمعلومات والبحوث الصحية عنهم يصعب تطوير وتطويع الخدمات الصحية لتتماشى مع الظروف الصحية والمحددات الاجتماعية وبيان التكاليف ومعرفة الحواجز والمعوقات التي تحول دون إمكانية الوصول والحصول على الرعاية الصحية.

ومع تدني الخدمات الصحية تزداد الخطورة على صحة المجتمع المستضيف بمعرفته أو بحكم الأمر الواقع، ومن في محيطهم، وأن يخصص الدعم، ولهذا يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمعرفة الأوضاع الصحية للمهاجرين واللاجئين والنازحين والعمالة الوافدة، وتنفيذ برامج التحصين الكافي لهم وللمجتمعات لتوفير خدمات صحية متكاملة وعادلة لحماية صحة السكان والمهاجرين، ولأن ليبيا بلد العبور وضحية لتدفقات الهجرة القادمة من الجنوب والزاحفة شمال المتوسط يجب أن تخصص موازنات مالية ومرافق صحية متكاملة الخدمات لتقديم الخدمات الصحية للمهاجرين واللاجئين والعمالة الوافدة والذين جميعهم يمرون بظروف معيشية وصحية بدنية وعقلية صعبة جدًا لما يتعرضون له من مشاق الطريق والاحتجاز القسري والتعذيب والمعاملة السيئة والاعتداءات من قبل العصابات الإجرامية ومافيات تجارة البشر.

ولهذا الدولة في حاجة ماسة للتعاون الدولي الجاد لمكافحة الهجرة غير المشروعة وغير القانونية، والحد من التدفقات الوافدة من الهجرات واللجوء، وأن تقوم دول العالم والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بالهجرة واللجوء والصحة والمكاتب الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية (الافرو والايمرو) وحقوق الإنسان جميعهم عليهم القيام بواجباتهم تجاه ليبيا ومؤسساتها المعنية، وعلى القطاعات والأجهزة الحكومية بدل الجهود والتعاون والتنسيق فيما بينهم لحماية صحة المجتمع والمهاجرين واللاجئين والعمالة الوافدة وفق القوانين والأنظمة المعمول بها دوليًا وتحقيق الصحة والعافية والرفاه لكل الناس داخل حدود الوطن.. الصحة حق أصيل وعنصر رئيسي للتنمية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى