مقالات الرأي

هل زار بلحاج أسواق الخضار؟!

بقلم/ مصطفى الزائدي

مرت ليبيا في الثمانينيات بأزمة اقتصادية بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، حيث وصل سعر البرميل إلى أقل من تكلفة إنتاجه، في وقت اضطرت فيه الدولة إلى الدفاع عن نفسها ضد خطر مدبر من الجنوب!

فالدول الغربية المعادية لليبيا أعدت عدتها وحشدت قواتها في دولة تشاد الجارة بالتنسيق مع الأنظمة في مصر والسودان والعراق المتخاصمة مع ليبيا في ذلك الوقت لزعزعة الأمن والاستقرار عن طريق الجنوب، اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية لترشيد الإنفاق، من أهمها إيقاف استيراد السلع غير الضرورية وتطوير الإنتاج المحلي، ونجحت بفضل الثورة الزراعية التي حدثت في السبعينيات في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضار وأغلب الفواكه والبيض والدواجن وإنتاج ما يزيد على 80% من اللحوم الحمراء والأسماك، وإنتاج ما لا يقل عن 60% من الحليب ومشتقاته، ومع ذلك لم تشمل إجراءات التقشف توريدات الغذاء والدواء الذي استمر يتدفق بمعدلات كافية ويصل إلى كل المدن والقرى الليبية وبأسعار موحدة ورمزية تقريبًا.

في التسعينيات، ورغم الحصار، لم يحدث نقص في السلع، وازدادت نسبة المنتج المحلي في السلع الغذائية إلى نسب كبيرة، وشملت مواد أخرى مختلفة كالأقمشة والفرش والسلع المعمرة والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، والسيارات الناقلة والجرارات، إضافة إلى الصناعات الكبرى التي اكتفت ليبيا منها ووصلت إلى تصديرها ومنها الحديد والصلب واللدائن والبتروكيماويات والأملاح وغيرها.

الذي دعاني إلى كتابة هذا الموضوع هو ما تحدث به السيد عبدالحكيم بلحاج في مقابلته المطولة عن سبب تشكيله الجماعة الليبية المقاتلة وهو الحالة الاقتصادية التي كانت سائدة وقتها والتي زعم فيها أن الدولة كانت خلالها تغير العملة باستمرار وتمنعها عن المواطنين، وبالرغم من الاحترام لما يقوله الخصوم إلا أنني أستغرب كيف تصدر مثل هذه الأكاذيب عن شخص يدعي أنه يعمل من أجل المصالحة ويسعى إلى إعادة الدولة، تغيير العملة حدث فقط لمرة واحدة عام 1979 ولا علاقة له بالأزمة الاقتصادية ولا بالأطروحات الفكرية لثورة الفاتح، بل كان لتشجيع المواطنين على التعامل مع المصارف التي كانت في العهد الإيطالي وعهد الاستقلال حكرًا على الإيطاليين ومن يتعامل معهم من الليبيين، فالليبيون لا يعرفون النظام المصرفي ولا يثقون فيه، واستمر ذلك حتى بعد تأميم المصارف في السبعينيات، فكان لزامًا على الدولة أن تتخذ خطوة مهمة تدفع المواطنين إلى إيداع أموالهم في المصارف.

المهم لماذا لم يتطرق السيد بلحاج إلى الوضع اليوم؟ وهل يستطيع المرء أن يسحب مرتبه من المصرف؟ وهل زار السيد بلحاج أسواق الخضار الآن؟

اليوم الوضع كارثي تقريبًا الفواكه تستورد بنسبة 100% من الخارج، والخضر بنسبة لا تقل عن 80%، والبيض بنسبة لا تقل عن 60%، واللحوم الداجنة بنسبة لا تقل عن 80%، إلى درجة فتح اعتمادات معلنة لاستيراد أرجل الدواجن! الأهم من ذلك أن أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم وصلت إلى أرقام قياسية وخيالية، فلم يعد بإمكان المواطن أن يتحصل على الطماطم والبصل والبطاطا والفلفل وغيرها بأسعار مناسبة، وهي مكونات أساسية جدًّا في الغذاء الليبي، أما أسعار اللحوم فحدث ولا حرج، حيث ستكسر حاجز المائة دينار للكيلو قريبا!

من جانب آخر فإن سوق الخضار والفواكه في ليبيا يدار كليًّا من قبل تجار مهاجرين غير شرعيين، أغلبهم من مصر والسودان، فهم من يحتكر تجارة الخضار والفواكه بالجملة وحتى بالقطاعي في كل ليبيا، وهو وضع غريب جدًّا في بلد يفترض أن الليبيين يمارسون التجارة التي لا يتقن أغلبهم غيرها للأسف!

فتجد الليبيين يسمسرون في السيارات المستعملة والخردة والعقارات، ويتخلون كليًّا عن تجارة الخضار والفواكه والمواد الغذائية واللحوم إلى أجانب!

أيضا في تلك الدول التي كان الليبيون يتلقون نفس المعاملة بها نقضت حكوماتها الاتفاقات الموقعة مع ليبيا في ثمانينيات القرن الماضي، وتعامل الليبيين بها كسياح أجانب ولا يتلقون أي قدر من الحماية ولا الرعاية، فهم مضطرون للحصول على تأشيرات وبرسوم عالية، ولا يستطيعون ممارسة العمل كما يمارسه رعاياها في ليبيا!

كان الأجدر ببلحاج أن يتناول هذه الموضوعات لو كان صادقًا فيما يقوله، أما أن يتكئ على أكاذيب المرحلة الماضية التي كانت فقط وسيلة مبرمجة لتشويه نظام ثورة الفاتح ولتبرير العمل ضده فهو أمر مستغرب يدل على استخفاف بعقول الليبيين.

علينا أن نناقش الوضع اليوم حتى لو سلمنا جدلًا بوجود مشكلات واختناقات وإخفاقات لمرحلة ما قبل 2011، السؤال ماذا حقق من أسقط الدولة من نجاحات بعد قرابة عقد ونصف من الزمان، وهي فترة طويلة جدًّا كان يمكن فيها بناء دولة متقدمة ومتطورة خاصة وأن مشروعات تنموية كبرى كان يجري تنفيذها على قدم وساق؟ ولو استثنينا بعض الجهود التي تنفذ في المنطقة الشرقية والوسطى والجنوبية اليوم بعد أن نجحت القوات المسلحة في بسط سيطرتها وفرض نوع من الاستقرار فإن شيئًا مهمًّا لم يحدث.

رسالتي إلى السيد بلحاج أن يناقش صلب القضية، وهو التدخل الأجنبي الفج وفرضه لمجموعات تافهة مرتبطة بالغرب سيطرت على الموارد الوطنية وسخرتها لخدمته، تنفذ سياسة ستؤدي إلى إفقار البلد والشعب وسيطرة حفنة من المافيا المحلية والدولية على التجارة الخارجية وحفنة من المهاجرين غير الشرعيين على سوق الغذاء!!

زر الذهاب إلى الأعلى