من الذي أوقف عجلة البناء والتنمية؟
بقلم/ عبدالله الربيعي
يقول المثل حول اللئيم “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”، هكذا فعل الغرب الاستعماري، وعلى رأس ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عندما فشلت خططهم في إفشال التغيير وقمع حركة الشعوب في الثورة والمقاومة، وإجهاض الثورة قبل وقوعها أو مقاومتها أثناء التنفيذ، ولأن المد الثوري كان عنيفا وحركة ووعي الجماهير الشعبية الحاضنة للثورة والتغيير استبقت مخططات العدو، فإن القوى المعادية وحلفاءها قد وضعوا الخطط طويلة المدى وصنعوا استراتيجيات من شأنها إجهاض التغيير على مدى أطول زمنيًّا من خلال حرمان الثورة من صنع نموذجها المتوهج الناجح، في بناء مجتمع متطور ينعم بالاستقرار والتطور والتنمية في كل المجالات.
ففي الحالة الليبية حيث إن النفط هو المورد الرئيس للثروة وتراكمها، وجب حرمان ليبيا من هذه الثروة أو الحد منها وممارسة الضغوط كافة لإرهاق الدولة وامتصاص فائض الثروة النقدية من بيع النفط، من خلال فرض الحظر والحصار السياسي والدبلوماسي والنفسي والتهديدات العسكرية بإجراء المناورات العسكرية قبالة الشواطئ الليبية واستعراض القوة بالبوارج البحرية الضخمة والطائرات المقاتلة الحديثة وفرض العقوبات الفردية والجماعية، فمند بداية الثمانينيات وليبيا قد وضعت في اللائحة السوداء الأمريكيةـ فطرد الطلاب الدارسون في الولايات المتحدة، وحرم الليبيون من دراسة الذرة والحاسوب (الكمبيوتر) والطيران، وألغيت صفقة تزويد ليبيا بطائرات النقل الجوي العسكري والمدني وسحب خبراء ومهندسي النفط الأمريكيين والبريطانيين من كل مجالات النفط وشركاته، وقيد عمل الشركات العاملة في القطاع وتدني إنتاج النفط الليبي إلى أدنى مستوى له، ووصل إلى ثمانمائة ألف برميل يوميًّا وسعر البرميل يومئذ وصل إلى 13 أو 12 دولارًا طيلة الثمانينيات خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وازدادت الأزمة خلال فترة حرب الناقلات، حيث عوَّضت السعودية ودول الخليج الأخرى النقص في السوق، بل أغرقته فزاد إنتاج السعودية من أربعة ملايين برميل يوميًّا إلى اثني عشر مليون برميل، وتضاعف إنتاج الكويت والإمارات لمصلحة إضعاف إيران والعراق وليبيا والجزائر، أدى ذلك إلى إفلاس بعض هذه الدول ومحاولة إسقاط أنظمتها الوطنية، كل ذلك ضمن استراتيجية الاحتواء التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة الاتحاد السوفيتي وحلفائه وأصدقائه في الحرب الباردة.
وعندما سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك كان حصة ليبيا إدخالها في نفق لوكربي الذي استمر من نهاية 1992 إلى عام 2000م، شهدت هذه السنوات حظرًا جائرًا وضغوطًا دولية شديدة وابتزاز للدولة الليبية من جيرانها وأشقائها، فما بالك بأعدائها المتربصين الذين يبحثون عن الفرصة السانحة للانقضاض عليها، كل هذه العوامل مجتمعة أخرت عملية التنمية والتطوير، وراكمت الأزمات، وخلقت حالة من عدم الاستقرار والتوجس، فكل الدول التي عانت العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي والتهديد العسكري دب فيها الفساد والترهل الإداري وعدم المسؤولية وغياب الجدية، وهي أمراض مقصودة من طرف من صنع المخططات لاحتواء الشعوب والدول ـ التدمير والتآكل الداخلي ـ حتى تصبح هذه الدول والمجتمعات قابلة للاستعمار بل مرحبة به بعد فقدان الأمل والثقة في الذات وفقدان الثقة في القيادة وفي المستقبل.
عقدان من الزمن المفيد ضيعهما العدو علينا، وهذا لا يلغي مجموعة عوامل ثانوية أخرى ساهمت إلى جانب ما قام به العدو من مخططات، من ضعف بنية المجتمع وغياب الوعي بالمخاطر المحدقة ومن تسرب الفساد والفاسدين والأنانيين والقبليين والجهلة إلى أجهزة الدولة ومفاصلها، كل هذه العوامل عطلت التنمية والتخطيط لمستقبل أكثر إشراقًا، كنا دائمًا نقول ويقول العلم لا تنمية بدون استقرار، ولا تنمية دون وحدة وطنية ووعي شعبي لمواجهة كل المخاطر ومن أخطاء الماضي ويجب الاعتراف به العمل على حل معضلة واحدة تواجه البلد وتجميد العوامل الأخرى!، وهذا خطأ جسيم لعله كان العامل الحاسم الذي سرَّع في هزيمتنا ونكبة شعبنا، فحل المشاكل الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية لابد أن تسير معًا ولا تحل أزمة أو مشكلة على حساب الآخر أو العمل على مواجهة التحدي الخارجي وتجميد الوضع الداخلي، والقول إن هذا العامل يمكن تأجيله والتضحية به فالعدو الذي حرمكم التنمية والتطور هو أمريكا وحلفاؤها، والذي جهّلكم كما تقولون أمريكا والغرب وليس معمر القذافي، فالعدو صنع المكائد ونفذ المؤامرات وشن الحروب واتهم قيادتكم وفريقًا منكم وحملهم المسؤولية، وهو المسؤول عن كل الجرائم والأزمات.