مقالات الرأي

مقتل هنية وأزمة الثقة بين الفصائل الفلسطينية

بقلم/ عبد المجيد قاسم

إن أزمة الثقة بين فتح وحماس زادت من تعقيد الأمور قبل أن يحدث التقارب الذي تم مؤخرًا، فمن لغة الاتهام القاسية بين الطرفين بالفشل والعمالة، إلى حملات المطاردة الأمنية، والاعتقالات والإقصاء إلى حالة الانقسام التي نتجت عن سيطرة حماس على قطاع غزة، وسيطرة فتح على الضفة الغربية إلى الإجراءات الأمنية المتبادلة التي قام بها الطرفان لضمان سيطرتهما مع بلوغ التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وبين الطرف الإسرائيلي والأمريكي حدودًا قصوى في السعي إلى اجتثاث العمل المقاوم

من بين الأزمات التي تعصف بالمقاومة الفلسطينية أزمة الثقة بين فصائلها المختلفة، خاصة أن الشقاق كان سيد الموقف بينها، وقد استمرت الجهود الدولية والإقليمية لوضع حد لهذا الشقاق، ومحاولة رأب الصدع، كان آخرها تدخل روسيا والصين بين طرفي الشقاق الرئيسين، وهما حركتا فتح وحماس، وما أسفر عنه هذا التدخل من توقيع إعلان (بكين) الذي أعلنت فيه الفصائل الاتفاق على “توحيد الجهود الوطنية لمواجهة العدوان الإسرائيلي، ووقف حرب الإبادة التي تنفذها دولة الاحتلال وقطعان المستوطنين بدعم ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، ومقاومة محاولات تهجير الشعب الفلسطيني، والتمسك بوحدة الأراضي الفلسطينية بما يشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة”.

واتفقت الفصائل الفلسطينية خلال اجتماع (بكين) على آلية جماعية لتنفيذ بنود الإعلان من جوانبه كافة، كما تقرر تعيين اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية نقطة انطلاق لعمل الطواقم الوطنية المشتركة بشكل عاجل، ووضع أجندة زمنية لتنفيذ بنود الإعلان المشترك.

وقررت الفصائل الفلسطينية متابعة تنفيذ اتفاقات إنهاء الانقسام الفلسطيني بمساعدة مصر، والجزائر، وجمهوريتي الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وذلك استنادًا إلى اتفاقية الوفاق الوطني التي تم توقيعها في القاهرة عام 2011، وإعلان الجزائر الذي وقع في أكتوبر 2022م.

الأمر هنا قد يشي بحجم الخلاف، واتساع الهوة بين الفصائل الفلسطينية إلى حد الحاجة إلى جهود دولية لحل الأزمة ورأب الصدع، الأمر الذي يعني وجود أزمة ثقة من شأنها تقويض أي اتفاق أو إعلان وئام بين هذه الفصائل، ومن شأنها التأثير سلبًا في قدرة وإمكانيات المقاومة التفاوضية، ومن ثم زيادة أمد الأزمة، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتلة.

إن أزمة الثقة بين فتح وحماس، زادت من تعقيد الأمور، قبل أن يحدث التقارب الذي تم مؤخرًا، فمن لغة الاتهام القاسية بين الطرفين بالفشل والعمالة، إلى حملات المطاردة الأمنية، والاعتقالات، والإقصاء، إلى حالة الانقسام التي نتجت عن سيطرة حماس على قطاع غزة، وسيطرة فتح على الضفة الغربية، إلى الإجراءات الأمنية المتبادلة التي قام بها الطرفان لضمان سيطرتهما، مع بلوغ التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وبين الطرف الإسرائيلي والأمريكي حدودًا قصوى في السعي إلى اجتثاث العمل المقاوم، وتفكيك البنية التنظيمية لتيار “الإسلام السياسي” في الضفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد مقتل القيادي إسماعيل هنية، الذي يتخذ رمزيته من علاقته بالشيخ أحمد ياسين، ويعد ثالث قيادي من الجناح السياسي يتم اغتياله بعد أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، هو ما تأثير الحادثة في المسار السياسي لهذه الفصائل؟ وما الهدف الرئيس من عملية الاغتيال؟

إن الإجابة عن هذين السؤالين تستتبع أولًا تحديد الجهة التي قامت بالاغتيال، فالكيان لم يعلن مسؤوليته عن العملية، هذا فضلًا عن أن هنية كان يمثل الجناح المعتدل في المفاوضات مع الكيان، وموته أو اختفاؤه من المشهد من شأنه وقف المفاوضات، أو تجميدها، وهذا الأمر قد يكون له تأثيره في مسار التقريب بين الفصائل الفلسطينية، التي تصنف إحداها على أنها فصائل مقاومة ويمثلها تيار حماس، والأخرى على أنها فصيل تسوية وتمثلها السلطة الفلسطينية.

كما أن أحد المرشحين لخلافة هنية، وهو خالد مشعل، الذي يمثل الجناح الإخواني التقليدي لحماس، ومن المتوقع أن يوقف أي تقارب مع إيران، قد يعطي مؤشرًا بالهدف من وراء إزاحة هنية من المشهد السياسي، هذا فضلًا عن احتمال حدوث خلافات داخل حماس نفسها في اختيار خليفة هنية، وهذه الخلافات قد تأخذ منحى الصراع داخل الحركة.

الأمر إذن له أبعاد إقليمية، وأخرى داخلية، ومن الصعب التكهن بتبعات هذه الحادثة، لكن ما يمكن قوله إن أزمة الثقة حاضرة في المشهد الفلسطيني بقوة، وقد تمتد لتصبح داخل الفصيل الواحد من فصائل المقاومة الفلسطينية، وهذا ما تسعى إليه دولة الكيان، لتضمن تفتيت تلك الفصائل من الداخل، بعد أن يتم تدمير بناها التحتية من الخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى