صدقية إيران على المحك
بقلم/ محمد بو خروبة
في غياب الإرادة العربية الفعالة المغيبة بفعل فاعل، وفي تبدد الحضور العربي الميداني الجمعي المبدد بفعل فاعل، وباغتيال زعيم حماس إسماعيل هنيه، في طهران، يتضح أكثر فأكثر أن القاعدة الإسرائيلية تشبه مفاعلًا جرثوميًّا فتاكًا على نطاق واسع، أقيم على أرض فلسطين العربية المحتلة لإشاعة الدمار الشامل في البلاد العربية، وفي جميع أنحاء ما يسمونها “المنطقة الشرق أوسطية”، ليس من أجل أمن إسرائيل، كما يزعمون، بل لتحقيق سيادة إسرائيل، واحتلالها مركز قيادة المنطقة الشرق أوسطية، ويبقى الخلاص مرهونًا بنهوض العرب مجتمعين بوحدة تشكيلاتهم النضالية ابتداء بتشكيلات فلسطين.
اعتادت إسرائيل، الاستعمارية والعنصرية، والتي باتت تُعرف، أيضًا، كدولة إبادة جماعية، على انتهاج سياسة الاغتيال لتصفية خصومها، باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها الأمنية أو العسكرية، لذا فإن عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، التي تمّت بعد ساعات قليلة من عملية اغتيال استهدفت فؤاد شكر، القيادي البارز في حزب الله، في لبنان، تأتي في هذا السياق، بمعنى أنها ليست عملية طارئة، أو خاصة.
الجدير بالذكر أن إسرائيل اغتالت العديد من القادة الفلسطينيين، من كل الفصائل، معلوم أن عمليات الاغتيال تلك تمّت في فلسطين وبيروت وتونس وحتى في روما، لكن عملية اغتيال هنيّة تختلف عن غيرها، إذ تمّت في طهران، عاصمة ما يسمّى محور المقاومة والممانعة، ما يحمّل النظام الإيراني بعضًا من مسؤوليته، سواء بعدم تأمينه الحماية له، أو إخفاقه في ذلك، كما بعدم صدقية ادعاءاته في شأن مواجهة إسرائيل.
فرسالتها تفيد بأن إسرائيل تتصرَّف باعتبارها تخوض حربًا متعددة الساحات، أي تقوم بعكس، أو بفرض، مفهوم وحدة الساحات، وفقًا لطريقتها، باعتبارها أنها تخوض حربًا للدفاع عن وجودها، لشدِّ عصب مواطنيها اليهود، وأيضًا، تخوض حربًا في مواجهة إيران ذاتها، وليس في مواجهة أذرعها فقط، أي أنها في ذلك الادعاء تحاول إضفاء نوع من الشرعية على حربها الوحشية.
وضمن تلك الرسائل، فإن إسرائيل في توجيه الأنظار إلى إيران تحاول إظهار أن الصراع في المنطقة لا يتعلق بقضية فلسطين، ولا بالاحتلال والاستيطان والسياسة العنصرية ضدَّ الفلسطينيين، وإنما ضدَّ السياسات التي تنتهجها إيران، والتي تهدِّد أمن واستقرار المنطقة، موظفة في ذلك هجمات الحوثيين عليها، وعلى السفن التجارية في البحر الأحمر، ومستغلة الدعم الأمريكي اللامحدود لها، سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا.
المشكلة هي أن النظام الإيراني لا يضع الأجوبة المناسبة للردِّ على تلك الرسائل، ولمواجهة هذا التحدِّي الإسرائيلي، تبعًا لضعف مصداقيته في مواجهة إسرائيل، وأيضًا، تبعًا للسياسات التي تنتهجها الأذرع الإقليمية المرتبطة به في سوريا والعراق ولبنان واليمن، التي تمثل مصالح النظام الإيراني، أكثر مما تمثل مصالح مجتمعاتها.
على الأرجح، فإن النظام الإيراني لن يُقحم نفسه في مواجهة مع إسرائيل، لا سيما أنه يعرف أنها ستكون، أيضًا، مع الولايات المتحدة والدول الغربية، التي أعلنت أنها ستدافع عن إسرائيل بكل الوسائل.
المعنى أن النظام الإيراني سيواصل من جهته انتهاج ما يسمِّيه سياسة الصبر الاستراتيجي، أو النأي بالنفس، مع إمكانية الردِّ على إسرائيل بطريقة محدودة، يمكن استيعابها من إسرائيل، على نحو ما جرى بعد حادث الاغتيال في قنصلية إيران في دمشق، بالتوازي مع الإيعاز لميليشياته في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان بتوجيه ضربات محدودة لإسرائيل، مع ملاحظة أن تكون تلك الضربات في مستوى لا يؤدي إلى إشعال حرب شاملة، لا سيما ضدَّ حزب الله في لبنان، جوهرة التاج في الميليشيات الإيرانية، والمحسوب كرصيد للأمن القومي الإيراني فقط.
طبعًا، رسالة إسرائيل الفلسطينية، من وراء عملية الاغتيال تلك، هي أنه ليس لديها سوى استمرار الحرب ضدَّ الفلسطينيين، لإخضاعهم، وتعزيز هيمنتها عليهم، من النهر إلى البحر، وضمن ذلك فإن حربها ضدَّ حماس ستتواصل لإخراجها من المشهد السياسي الفلسطيني، لا سيما مكانتها كسلطة في قطاع غزة، ويبقى أن ثمة تحدِّيًا للفصائل الفلسطينية، ولا سيما حماس، بضرورة تمييز نفسها عمَّا يسمَّى محور المقاومة والممانعة، الذي يضرُّ بقضية فلسطين وشعبها وحركته الوطنية، لأنه يعمل فقط لصالح تعزيز نفوذ إيران على الصعيد الإقليمي، ولأنه يتعاطى مع قضية فلسطين بطريقة مستخدمة فقط، بدليل ما فعله النظام الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في تخريب بنى الدولة والمجتمع وتصديع وحدتها.
وكالعادة، فقد توعدت إيران بالردِّ، وعلى لسان المرشد، فلننتظر ذلك الردَّ وطبيعته وكيفيته.