مقالات الرأي

قادم الأيام بين الانتقام المحدود وحرب الوجود

بقلم/ محمد جبريل العرفي

العدو يهدف إلى إعادة الثقة في المؤسسة العسكرية، وتعقيد المفاوضات، أو حفظ ماء وجه (النتن) لتمرير الموافقة على شروط حماس بتقديم صورة زائفة للنصر، وإيرانيًّا هز الصورة الذهنية للثورة، ولإرباك أول يوم للرئيس، ونثر الأشواك على طريقه لأمريكا، وإثبات أن هناك انكشافًا أمنيًّا مستمرًّا

فلسطين (التاريخية) بؤرة الصراع الديني والعرقي، فعندها توقف المغول، وتحطم الصليبيين، وهي أيقونة النضال التحرري العربي والإسلامي، شعبها صامد وعدوها مرتجف، منذ احتلال الإنجليز 1917 إلى مؤامرة الشريف حسين، إلى زرع الكيان الصهيوني، إلى نكسة 67، إلى أيلول الأسود، إلى تطبيع 79، إلى خديعة أوسلو وسلطتها العميلة، التي دعمت المستوطنين لقضم الضفة، وضيقت على المقاومين، وسكتت عن حصار غزة منذ 2007، هذا الشعب العنيد عنده قدرة على صنع المعجزات، وتقديم التضحيات، آخرها معجزة “طوفان الأقصى” الذي أوقف قطار التطبيع، وحطم هيبة الكيان، وخلق توازن ردع، ودفع بفلسطين إلى الواجهة عالميًّا وإسلاميًّا قبل أن تكون عربيًّا، فارتفع في العالم شعار “فلسطين حرة من البحر إلى النهر”.

الكيان فشل في مواجهة المقاومة، فجيشه ينهار، وشعبه يهرب، واقتصاده يتحطم، فعوض فشله في الانتقام من المدنيين، واغتيال القيادات، فخلال يومين نفذ ثلاثة اغتيالات في العراق ولبنان وإيران، وذلك لتحقيق أربعة أهداف على الأقل:

أولها: أعاد الثقة في المؤسسة العسكرية المترنحة، بتعويض الانتصار التقليدي كاحتلال الأراضي وهزيمة العدو، بالاحتفال باغتيال قيادات عربية مناضلة.

ثانيها: تعقيد مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى، أو حفظ ماء وجه (النتن) لتمرير الموافقة على شروط حماس، بتقديم صورة زائفة للنصر على حماس باغتيال قائديها السياسي والعسكري.

ثالثها: هز الصورة الذهنية للثورة الإيرانية بالداخل والخارج، باغتيال ضيفها الشهيد هنية.

رابعها: إرباك اليوم الأول للرئيس الإصلاحي (بزشكيان) ولنثر الأشواك على طريقه نحو أمريكا، فالرد الإيراني الجبري سيعقد مسيرة المفاوضات (الإيرانية – الأمريكية)، والتي وضعها (بزشكيان) كأولوية مركزية في برنامجه الانتخابي.

خامسها: إثبات أن هناك انكشافًا أمنيًّا مستمرًّا وصل مداه إلى اغتيال ضيفهم وسط إجراءات أمنية مشددة يوم تنصيب الرئيس، الذي حضرته شخصيات من 86 دولة، وقبلها سليماني، وعلماء الذرة، والرئيس (رئيسي) مما يجبر إيران على فتح تحقيق لمعرفة عملاء الصهاينة بمؤسسات الدولة، ليلقوا مصير عضو الحرس الثوري المتعاون مع إدارة ترامب لاغتيال سليماني.

الاغتيالات عمليات ثأرية وردع على المدى القصير لا تؤثر على التنظيمات المقاومة، فالتجربة علمتنا أنه كلما يغتال قائد يفرز العرب جيلًا من القادة أشد بأسًا، وأكثر صلابة، وهذا ديدنه منذ اغتيال عز الدين القسام إلى أبو جهاد إلى عرفات إلى أحمد ياسين إلى يحيى عياش إلى فتحي الشقاقي إلى الزواري، إلى عماد مغنية، وغيرهم.

توازن القوى الذي نشأ في المنطقة متمثلًا في محور المقاومة، وما أحدثته من هزائم بالصهاينة وحُماتهم، ونشوء تحالف استراتيجي مع روسيا والصين، دفع الجميع إلى تجنب حرب شاملة لأن عواقبها ستكون وخيمة، وخاصة أن الكيان محاصر كجزيرة وسط بحر من الأعداء، ولهذا سيكون الثأر بضربات محدودة ولكنها قاسية وموجعة، وسيزيد رعب العدو ويكسر من عنجهيته، ويفضح هشاشة القوة الأمريكية التي كانت ترعب العالم، فها هي درة الأسطول “إيزنهاور” تهرب أمام ضربات اليمنيين الحفاة الشعث الغبر.

المقاومة تنتهج أسلوب الاستنزاف الذي لا يقوى عليه العدو بحكم تركيبته السكانية واقتصاده وجغرافيته وتاريخه.

هناك فرق بين أن يتحدث مسؤول سياسي أو قائد عسكري، وبين حديث قائد ثورة لا يستخدم التقية، ولا يقوى أحد على مخالفة أوامره، التي صدرت علنًا بمهاجمة العاصمة السياسية تل الربيع والاقتصادية حيفا. واعتبر خامنئي أن الكيان مهد لنفسه الأرضية لـ “عقاب قاسٍ” يغرس في نفسه الندم العميق، لأن واجب حماية الضيف أهم من أهل الدار.

هناك أصوات نشاز تشكك وتخون وتدعو إلى الخذلان وتشيع الفتنة بين المسلمين، وتشارك العدو أفراحه، وتجتر في مواقف سابقة حتمتها ظروفها السياسية والحزبية، هذا جهل وانعدام وعي وضعف الحس القومي، وتذبذب فكري وسياسي، والسير وراء الغوغاء والتكفيريين. هؤلاء وجدانيًا أسوأ من المطبعين، ولكن عمليًّا ظاهرة صوتية بلا قيمة.

الخيارات الآن إما الاصطفاف مع المقاومة لمواجهة العدو وإيقاف قطار الموت الصهيوني، أو البقاء على رصيف التاريخ مع الخوالف والمطبعين والتكفيريين، والنادمين يوم لا ينفع الندم.

زر الذهاب إلى الأعلى