دويلات تترقب دورها في النظام الدولي
بقلم/ محمد بوخروبة
الواقع الحالي لأمتنا العربية لا ينبئ بخير بسبب نظامها السياسي المبني على فكرة قدسية الدولة القطرية الذي يدير ظهره للتوجه العام الدولي، المتمثل في تشكيل تكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي وكتلة دول بريكس وسواها من التكتلات كعناصر أساسية في بنية النظام الدولي المرتقب
إننا كعرب ونحن نعيش حقبة زمنية يتشكل فيها نظام دولي جديد متعدد الأطراف الفاعلة، نتساءل أين نحن من عملية التشكل هذه وما عساه يكون موقعنا في النظام الدولي المرتقب؟
وقبل أن نحتكم إلى مقومات الدولة العظمى، لنرى هل هنالك أمل في ظل الواقع العربي الراهن والمنظور في المدى القريب، أو حتى المتوسط، لأن نكون إحدى القوى العظمى في ساحة العلاقات الدولية، من المفيد أن نعرج على الوضع الراهن لأمتنا وأن نستنتج منه النتائج.
فالواقع السياسي الحالي لأمتنا العربية، لا ينبئ بخير لهذه الأمة، بسبب نظامها السياسي المبني على فكرة قدسية الدولة القطرية، والذي يدير ظهره للتوجه العام الدولي، المتمثل بتشكيل تكتلات إقليمية، كالاتحاد الأوروبي، وكتلة دول بريكس وسواها من التكتلات كعناصر أساسية في بنية النظام الدولي المرتقب.
إن القطرية التي فرضت علينا من قبل الدول الاستعمارية، منذ بداية القرن العشرين، لا يمكن أن تكون إلا وسيلة للإبقاء على ما نحن عليه، من تفرق وتخلف وتبعية للأجنبي، فأمتنا عبر أقطارها المصطنعة اصطناعًا، موضع استغلال من قبل القوى العظمى، وموضع تبعية لها، وموضع توترات وانقسامات بفضل طموحات وتدخل القوى المتوسطة الإقليمية، المتمثلة في إيران وتركيا والكيان الصهيوني، مغتصب فلسطين وأثيوبيا، كما أن أمن بعضها الداخلي، وبالتالي الأمن العربي الإجمالي، في خطر نتيجة اعتماد بعضها على يد عاملة آسيوية كبيرة العدد مقارنة بعدد العرب أبناء البلد على نحو ما هو يحدث في الإمارات العربية وقطر وليبيا، من تفوق ساحق لعدد الأجانب الآسيويين.
كما أن أمن أمتنا العربية الغذائي في خطر نتيجة تحكم القوى المتوسطة الإقليمية في مياه الأنهار، نتيجة سيطرة القوى الإقليمية في تركيا وأثيوبيا والكيان الصهيوني على منابعها، وهي التي تشكل أساسًا للزراعة في أجزاء كبيرة من ترابنا العربي، كما أن الدول العربية الغنية بالموارد الطبيعية، لا تستعمل عائدات هذه الموارد في تكوين البنى التحتية والفوقية التي تسرع من النهوض العربي، الذي هو وسيلتنا الوحيدة لأن يكون لنا مكاننا المميز في النظام الدولي، ليس بوصفنا قوة عظمى إقليمية، بل بوصفنا قوة عظمى عالمية، بل هي تستثمرها خارج الوطن العربي مع ما يرافق ذلك من مخاطر ضياع رؤوس الأموال نتيجة للأزمات الاقتصادية، التي قد تحدث كأزمة العام 2008 الاقتصادية، التي أعدمت أموال دول الخليج المستثمرة في البنوك الأمريكية، والتي قد وظفتها بدورها في بنوك المكسيك التي أعلنت إفلاسها.
كما أن ميل دول الخليج والدول العربية الأخرى الغنية بالنفط، إلى العزوف عن استثمار عائدات النفط في بنى تحتية وفوقية تخدم فكرة أن تكون الأمة العربية، أمة فاعلة بجدارة في منظومة النظام الدولي واستثمارها في مشاريع ترفيهية، وليس في مشاريع إنتاجية، تعكس ضحالة تفكير قادة النظام السياسي العربي، وعجز مؤسساته وخضوعه للإملاءات الإقليمية والعالمية، التي ليس من مصلحتها بروز كيان عربي نهضوي، يسهم في نشر الوعي وأريحية الوطن برمته.
إننا نرى أن مقتلنا هو في تمسكنا بتقسيمات قطرية لم نصنعها بأيدينا، بل فرضت في غفلة من شعوب أمتنا، وفي لحظة ضعف ألمت بها، والحل هو بالسعي لتطوير آليات العمل الجماعي الذي يفضي إلى تشكيل كيان عربي وحدوي نهضوي، تحدد شعوب أمتنا تركيبته، مع مراعاة الخصوصيات لمختلف فئات شعبنا العربي، إن إنشاء هكذا كيان ليس ضربًا من الخيال المستحيل، فلنا أسوة حسنة في التكتلات العالمية الموجودة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، الذي ضم قوميات مختلفة في كيان أهّله، لأن يكون قوة عظمى في نظامنا الدولي الذي هو في طور التشكل، ولا ننسى الاتحاد الإفريقي حديث الولادة، والذى كان للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي دور مفصلي في إنشائه ودعمه، وبالرغم من توفر بعض الدول العربية كليبيا ومصر والجزائر والسعودية على مقومات الدولة، والقوة المتوسطة الإقليمية فإنه لا أمل لأي منها في أن تكون قوة عظمى، على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي وحتى الهند، إن أمل هذه الدول يتحقق فقط عبر تشكيل الكيان العربي الوحدوي النهضوي المأمول.
وفي هذا الصدد يلعب الفكر العربي النهضوي، دورًا بارزًا في شحذ الهمم وإذكاء الوعي العروبي الإنساني، بأن رسالة هذه الأمة الخالدة هي التحرر من التخلف والتبعية للأجنبي، والشروع الفعلي بتحويل أفكار النهضة والتقدم إلى بنى وحدوية نهضوية يحدد الشعب طبيعتها، ومما لا شك فيه أنه يقع على الفكر العروبي النهضوي والوحدوي، مسؤولية التركيز على العناصر الفكرية والأيديولوجية، التي تهيئ شعوب الأمة، لأن تدرك أن لا انعتاق لأمتنا من تخلفها، إلا بتشخيص العوائق التي تقف في وجه نهضتها، وإبداء الحلول العملية للمشاكل التي تعترضها، وحيث تتأهب كل أمة وكل مجموعة دولية أو إقليمية، لشغل المكان الذي تستحق، ولعب الدور الذي يتناسب وقدراتها في هذا النظام الدولي قيد التأسيس، ومع الأسف يجري ذلك كله في غياب أي دور فاعل لأية دولة عربية، أو لمجموعة من هذه الدول بعد أن تم الإجهاز على النظام الإقليمي العربي، وافتقاد أبسط مستلزمات التضامن العربي المشترك، في وطن العرب أي في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستثنائية عالميا، والتي يتوزع النفوذ والهيمنة والتأثير فيها حاليا ثلاث قوى هي إسرائيل وتركيا وإيران.