مقالات الرأي

ثورة يوليو أم الثورات

بقلم/ ناجي إبراهيم

بفعل ثورة يوليو أنهت مصر حقبة من القمع والقهر والاضطهاد والاحتلال واستعادت سيطرتها على قناة السويس استكمالا للسيادة المصرية على مقدراتها وردًّا على حرمان الحكومة المصرية من قرض من البنك الدولي لبناء السد العالي، لتجد القوى الاستعمارية مبررًا للقيام بالعدوان الثلاثي 1956 على مدن القناة الذي فشل أمام صمود قادة الثورة والشعب المصري

ثورة يوليو التي نحيي ذكراها الثانية والسبعين كانت تعبيرا عن حالة الرفض للمشروع الاستعماري، وردا على أوضاع التقسيم التي رسمتها اتفاقية (سايكس بيكو) وخرائط الاستعمار، وكانت استجابة صادقة لمطالب جماهير الأمة العربية في التحرير والوحدة، وعلى الرغم من أنها لم تكن ردة فعل انفعالية على الأوضاع الجيوسياسية في منطقتنا العربية بل كانت ترجمة لحالة وعي قومي بدأت تتشكل في مواجهة الاحتلال التركي ورفض الغزو الاستعماري الذي شمل مناطق واسعة من العالم.

الواقع العربي بين مناطق تحت الاحتلال المباشر وأخرى تخضع لنظام مرتبطة بالاستعمار بما فيها مصر مهد أول ثورة عربية في التاريخ والتي كانت ملهمة لثورات أخرى قوضت النظم العميلة المرتبطة بالاستعمار في العراق وليبيا وسوريا واليمن.

وردا على الادعاءات التي تطلقها بعض الأبواق العميلة المرتبطة بالاستعمار البريطاني وأحفاد الإقطاع الذين يصفون ثورة يوليو المجيدة على أنها انقلاب على نظام (دستوري) ويردد ذلك البلهاء والسذج الذين يجدون أنفسهم جنودا للمشروع الاستعماري وجب علينا تبيان الإنجازات التاريخية الكبرى التي تسقط حجج وادعاءات القوى العميلة، كان وفور انتصار الثورة وتقويض آخر ملوك أسرة محمد علي الألباني، توجهت إلى تقويض طبقة الإقطاع وتحرير الفلاح المصري من عسفه وجوره وسياطه ونقلت ملكية الأرض لصاحبها الحقيقي الذي رواها بعرقه وحفظها بدمه، وفتح أبواب التعليم أمام أبناء الفلاحين والعمال وعامة الناس وكسر احتكاره، لن أحدثكم عن التحولات المادية التي أسست لمستقبل اقتصادي واجتماعي يغير وجه مصر، بل كان القاعدة التي قامت عليها المشاريع التي عرفتها مصر فيما بعد ونشهد معالمها اليوم الكهرباء والطاقة والصناعة والزراعة والري والنقل، وأمن السد العالي للمصريين مخزونا هائلا عبرت من خلاله مصر سنوات الجفاف والتناقص في كميات تدفق مياه النيل والناتج عن التغيرات المناخية وبعض المشروعات التنموية التي تقيمها دول حوض النيل وخاصة بلدان المنبع، وأنقذ الشعب المصري من عطش محقق، وخاصة في تزايد عدد السكان والطلب المطرد على المياه حتى وصفت مصر على أنها هبة النيل، هل ستكون كذلك بدون السد العالي؟

قادة الثورة فطنوا مبكرًا إلى ضرورة تحرير الأرض من الاحتلال الذي كان يحتل منطقة مهمة واستراتيجية من الأراضي المصرية المتمثل في القاعدة البريطانية في قناة السويس، وكان من بين أهداف ثورة يوليو التاريخية تحرير الأرض وكان الإجلاء استكمالا لتحرير الإرادة في 18 يونيو 1956 لينتهي بذلك الاحتلال البريطاني لمصر والذي بدأ عام 1882 واستمر 74 عاما.

لم تكن مصر قبل هذا التاريخ بلدا مستقلا وفي ظل حكم أسرة محمد علي الذي كان آخر ملوكها فاروق الذي انهار حكمه على يد حركة الضباط الأحرار، وما كانت بريطانيا ستترك منطقة مهمة واستراتيجية ومفتاح المواصلات بين شرق العالم وغربه ماذا لو لم تنجح حركة الضباط الأحرار في الإطاحة بالنظام الذي كان يوفر لهم الشرعية القانونية والسياسية، ويواجه المطالب الشعبية بالتحرير بمختلف صنوف القمع ومنها السجن والتصفيات الجسدية التي تعرض لها الآلاف من الناشطين والنخب السياسية والثقافية؟

مصر بفعل ثورة يوليو تنهي حقبة من القمع والقهر والاضطهاد والاحتلال وتستعيد سيادتها على قناة السويس التي تحولت إلى رافد مهم لعمليات التنمية والإعمار، وكان تأميم قناة السويس إضافة إلى كونه استكمالا للسيادة المصرية على مقدراتها وثرواتها ردًا على حرمان الحكومة المصرية من قرض من البنك الدولي لبناء السد العالي، ووجدت القوى الاستعمارية المتمثلة في بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني في تأميم قناة السويس ودعم جمال عبدالناصر لحركة التحرير الوطني الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي مبررًا للقيام بعدوان ثلاثي 1956 (عرف بحرب السويس) استهدف مدن القناة والأراضي المصرية، وفشل العدوان أمام صمود قادة الثورة والشعب المصري، وبقيت قناة السويس مصرية وهزمت فرنسا في الجزائر وسقط مشروعها من أجل جزائر فرنسية.

إذن الثورة في مصر بإلغائها لدستور 1923 الذي اعتبره بعض المعارضين انقلابا على الشرعية هو في الواقع كان مقدمة لتمهيد الطريق نحو تحرير البلاد والاقتصاد التي تم رهنها وفقًا للدستور المذكور للقوى الأجنبية التي تمتعت بدعم وحماية في ظل الدستور الذي نوهنا عنه والذي يتخذه أعداء ثورة يوليو تبريرا لحقدهم وستارا يخفي ارتباطهم بالمستعمر.

وأصبحت ثورة يوليو بأهدافها الوحدوية والتحريرية تشكل نموذجا وقدوة لكل المتطلعين للحرية والمدافعين عنها، تستلهم منها الشعوب العربية المثال والقدوة، وتجاوزت تأثيراتها الساحة المحلية لتحدث زلزالا هز أركان النظم الرجعية والعميلة للاستعمار مما دفع دولا عميلة لتشكيل تكتلات وتحالفات بدعم غربي لتطويقها وإيقاف مدها التحرري.. وخاض جمال عبدالناصر معاركه التي كانت واجبة بصبر وحكمة وصلابة، ولم يهادن ولم يتراجع، ووجد شبابه في ثورة الفاتح التي قادها الضباط الوحدويون الأحرار التي قوضت نظام العائلة السنوسية وجمدت العمل بدستور (مستر بلت) الذي شرعن الاحتلال البريطاني والأمريكي لليبيا تحت خديعة الاستقلال، ثورة الفاتح جاءت ردا على نكبة يونيو 1967 والتي شاركت فيها القوات البريطانية الأمريكية من الأرض الليبية وازداد المد القومي في قيادة الثورة الليبية رغم غياب عبدالناصر وأكملت جهوده في العمل من أجل الوحدة العربية التي لم يكتب لها النجاح بسب التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي للبلدان العربية واستكمال تحرير أفريقيا الذي توج بإعلان الاتحاد الأفريقي 9/9/1999.

أمة أنتجت ثورة يوليو أم الثورات حتما ستعرف تغيرات كبيرة وعظيمة ستقوض الوجود الاستعماري الذي عاد لمنطقتنا من بوابة ما يسمى الربيع العربي، كما هي كذبة الثورة العربية الكبرى التي أنتجت (سايكس بيكو) واستنبتت دولة الكيان الصهيوني في فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى