مقالات الرأي

الفراغ العائلي.. والترف الافتراضي (2)

بقلم/ ناجية الصغير

بين الواقع والافتراض تبدل الكثير وتباعد القليل وحملت الدقائق القال والقيل ولكن…

الحياة العائلية مثلها مثل كل الأشياء التي طالتها سهام التغيير وتطاولت عليها رماح التطوير، فباتت أوراق الشجرة تتساقط كخريف بلا مواسم اصفر التبسم مكتئب التفاصيل.

النواة التي تحمل كل العناصر التربوية من كربوهيدرات سلوك إلى نشويات توجيه وسكريات احتواء ودهون مسؤولية تهجنت بين ممشاها وممشى الحمام، فلا طالت عنب البر وبلح العرفان، هكذا يحدث حين توصد الباب وتتجاهل العدو الذي يعيش معك.

التقنية وما يسمى العولمة لم تعد شماعة تعلق عليها أخطاء مجتمع، فالكل يعرف بيت الداء ومكمن الدواء، وكل شجرة تعطيك ثمرًا خالطته العفونة هي شجرة مريضة تحتاج إلى تشخيص وبعدها علاج لتستعيد نكهتها ورونقها، وكذا هي الأسرة، فلقد بات التسليم والوقوف كمتفرج ومندهش أمام حرب ناعمة وسلاح مغري أمرا في غاية السذاجة لأن العالم من حولنا تجاوز مرحلة الدهشة والصدمة وبات يتجاوز مرحلة الفهم ليصل إلى التطبيق.

الحياة العائلية فارغة بمعنى الفراغ الوجداني لكثر فهم منعزلين ببنادقهم الجوالة يحرسون فضاء أزرق يشبه البحر متسعا عميقا جميلا وغادرا يسرق ساعاتهم ويستنزف مشاعرهم ويستهزئ بمهاراتهم حتى الإدمان.

آلاف الصداقات في الافتراض والواقع يشكو فقر الصداقة وربما انقراضها.

آلاف المجاميع في الافتراض والواقع يشكو غياب الجماعة.

سيل من المشاعر والتفهم واللباقة والواقع يعاني جفاف التعابير.

ملايين المبادرات تشتعل كاشتعال عود الثقاب ثم تنطفئ بلا رجوع.

مسميات تفيض إنسانية والواقع غاب وقانون بقاء للأقوى بجبروته أو ماله.

الأسرة وهي تعيش هذه المعمعة تكون كسفينة تتلاطمها الأمواج والريح تعصف من كل حدب والربان إن لم يكن ذا عزيمة لفَّته خيوط العنكبوتية وحاصرته دون اقتدار فهو ببيته جسد ولكن حديثه خوار.

الحوار الذي فُقد ذهب معه الكثير بين عائلة ممتدة وعائلة تستمد منها زاد المشوار فلم يعد هناك جلسات نقية بلا هواتف ولم يعد هناك طعام لذيذ بلا كاميرات ولم يعد هناك ود إلا بصورة مشوشة المعنى واضحة السطحية قادت العائلة إلى تبدل الأدوار وتطاول الصغار على الكبار وانغماس المربي بجمع النقود وعائلة يفرقها النهار ويقسمها الليل بين صمت المكان وضجيج الدردشات.

نحن نعلم أن لكل تطور ضريبة، ولكن الضريبة التي تدفعها الأسرة باهظة الثمن تدفع المجتمع نحو الإفلاس ثقافيًا وعائليًا.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى