فرص الحل!
بقلم/ مصطفى الزائدي
يجمع أغلب الليبيين على أن الحالة الليبية وصلت إلى طريق مسدود، وعلى أن الظروف المعيشية والحياتية، خاصة في جزء كبير مكتظ بالسكان من الوطن، غاية السوء، سمتها الغلاء وندرة النقود وقلة الوقود وعدم انتظام الكهرباء وانتشار الفساد في ظل سيطرة مجموعات مسلحة متناحرة وغير مدركة لطبيعة الدولة، وفي ظل وجود المرتزقة والقوات الأجنبية، لقد انقسمت البلاد على نفسها من الناحية العملية، وحتى المدن التي كانت واحدة تمارس سطوتها على المدن الأخرى صارت مفتتة متصارعة، وعاد مشهد القتل على الهوية إلى الشارع ليكون مظهرًا شائعًا غير مستنكر، تمامًا كما كان في سنوات الإرهاب التي أعقبت إسقاط الدولة، ورغم جهود كبيرة في ظروف صعبة وبإمكانات محدودة تقوم بها الحكومة التي كونها توافق ليبي محدود بين مجلسي النواب والدولة وترعاها القوات المسلحة التي تدير الشرق والوسط والجنوب، تنفذ برنامجًا تنمويا بدأ يشكل نموذجًا لإعادة بناء الدولة وترميم الوطن المهشم.
هذا الإجماع الوطني في وصف الواقع لم ينعكس في جهود حقيقية وفعالة لاستعادة الدولة والقيام بخطوات عملية جدية لبناء مؤسسات وطنية قادرة على تنفيذ خطط استعادة الوطن وتأمينه، للأسف الأغلبية ينتظرون المعجزة التي قد يخرجها ساحر من جراب المجتمع الدولي، يتابعون بعثة الأمم، هذا جاء وذاك ذهب، ويتابعون بدقة السفراء والقناصل والمبعوثين حركاتهم وسكناتهم، يستبشرون بابتسامة صفراء منهم ويرددون كلماتهم الجوفاء التي تهدف إلى تخدير الشعب، وهم يرون المجتمع الدولي المنقسم على نفسه بشدة المتحارب فعليًّا، والذي تعصف به أيضًا مشاكل داخلية عميقة وخطيرة.
لكل ذلك علينا أن نخوض في الموضوعات الجوهرية ونبتعد عن التوصيف الذي يعرفه الكل، أو عن الحديث في التطلعات التي يأمل الجميع تحققها، فلننظر في الواقع كما هو ونحلله وننطلق منه لصياغة مشروع وطني كفيل بإعادة الأمر إلى نصابه.
المشكلة اليوم لا تكمن في الوعي لدى النخب وعامة الناس، بل تكمن في من هو القادر على المبادرة، في الماضي القريب امتلك عدد من الضباط الشجاعة الكافية للمبادرة وقيادة حرب بإمكانيات محدودة جدًّا ضد سطوة الإرهاب والميليشيات في بنغازي، ثم وسعوا معركتهم حتى شملت كل الشرق والوسط والجنوب، ولقد نجح ذلك المجهود الجبار بعون من الله عز وجل في أن يحقق نصرًا حاسمًا في وقت قياسي مقارنة بما شهدته أمم وشعوب أخرى من أوضاع شبيهة تمامًا لما وقع في بلادنا.
بعدها لم تخرج مبادرات جدية أخرى، خاصة في الشق السياسي والمجتمعي، بل ظهرت خطابات ديماغوجية ودعائية ومحاولات شكلية فارغة من أي مضمون تحت شعارات الصلح والمصالحة والوئام الاجتماعي، خلصت إلى بيانات إنشائية دون نتائج على الأرض.
اليوم ليس أمام الشعب الليبي إلا طريقان لا ثالث لهما، إما استعادة الدولة بالقوة استنادًا إلى جهوزية القوات المسلحة التي نجحت في تخليص أجزاء كبيرة من الوطن وتحريره من الفوضى والإرهاب وعبث الميليشيات وتدخل الأجانب الفج، أو البحث في مشروع سياسي متكامل يحقق تلك المتطلبات سلمًا دون الحاجة إلى الحرب وويلاتها وعذاباتها، فبديل الحرب هو العمل السياسي المنظم وفق منهج واضح يؤدي إلى نتائج، وليس العمل السياسي العشوائي الذي لا يقود إلى أي نتيجة، وعندئذ يصير مطلب الحرب مشروعًا، أنا هنا لا أخترع العجلة، فتلك بديهية في التعامل مع الصراعات المحلية الدولية عبر الأزمنة وفي كل الأماكن.
علينا أن نفكر بجدية في مشروع سياسي واضح تتفق عليه الأطراف المختلفة بعيدًا عن سياسة “الختل” بالليبي، سياسة الخداع ومحاولة التلاعب بالكلمات والشعارات بغرض خدمة أهداف معينة.
بعض مما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما سمعته من الذين يدعون إلى الحوار والعمل الجدي بين الليبيين، لكن بالاطلاع على مضمون دعواهم يرى المرء عدم الوضوح، حيث تركزت على تقييمهم الأحاديّ للماضي ولطبيعة الصراع وتقييمهم التعسفي لأطرافه، ووجهة نظرهم الأحادية للكيفية التي يمكن أن يكون عليها المستقبل، هم بذلك ينسفون فكرة الحوار والتفاهم الوطني بسبب تحديدهم لطبيعة الصراع في الماضي وتحديدهم للمنتج الذي يخرج من أي حوار وتفاهم وطني، وهذا تعسف خطير لا يمكن أن يقرأ إلا في إطار الخدعة السياسية التي لن تنطلي على أحد.
المشروع السياسي ينبغي أن يكون واضحًا ينطلق من نقطة الصفر، فلكلٍّ ماض ولكلٍّ تصوره حول الصراع وأسبابه ودوافعه، ولكلٍّ تطلعاته وتصوره للمستقبل الذي ينبغي أن يكون، هذا ما ينبغي وضعه على طاولة الحوار لينتج توافقًا جديًّا، وربما أيضا يضع خطوطًا عريضة على الأقل لطبيعة الصراع وأسبابه وما أنتج في المرحلة الحالية من أجل كتابة تاريخ حقيقي غير مزور ولاستفادة الأجيال القادمة.
أدعو النخب الليبية مجددًا إلى أن يضطلعوا بمسؤولياتهم، في العمل على تقديم مشروع سياسي جدي، خاصة في ظل الصراع الدولي وانشغال الدول الكبرى المتداخلة في الشأن الليبي أثناء المراحل الانتخابية، فالوقت مناسب لانتزاع ورقة الحل من الأيادي الأجنبية، وأيضًا الاستجابة لما يطلبه أغلب الليبيين اليوم من ضرورة وضع حد توافقي لما أصاب أو يصيب بلادنا من عبث وفساد وفوضى عارمة.