ثورة أم انقلاب؟
بقلم/ عبد الله الربيعي
ما قام به الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ثورة كاملة الأركان دشنت عصر الثورات المسلحة في الجزائر وثورات قلب أنظمة الحكم في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والتي طردت القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية وأممت قطاع الطاقة وفرضت المشاركة العادلة في أعمال التنقيب والإنتاج والتسويق وألغت الاحتكارات الأجنبية في قطاع المال والصناعة وخلقت قاعدة عريضة في المشاركة الشعبية سياسيا واقتصاديا وتعليميا.
تمر علينا الذكرى الثانية والسبعون لثورة 23 يوليو التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر خصومها يصفونها بالانقلاب العسكري على الشرعية الدستورية رغم حالة الانسداد السياسي والفساد وعدم الاستقرار وفشل التنمية والوجود العسكري الأجنبي البريطاني الذي يحتل قناة السويس ويتدخل بشكل مباشر وغير مباشر في القرارات السياسية والاستراتيجية والسيادية لمصر والمنطقة برمتها، ويعاني الاقتصاد المصري من الاحتكارات الأجنبية التي تتحكم في أغلب الأنشطة الاقتصادية وهيمنة الإقطاع على النشاط والأراضي الزراعية وتدار مصر من خلال طبقة رأسمالية لا تمثل أكثر من نسبة نصف الواحد في المائة من عدد السكان.
والانتخابات لم تنتج التغيير الاجتماعي ولم تعالج الصراعات الدامية بين الأحزاب ولم تطرد المستعمر المتحكم الدخيل الذي يسيطر على عصب الحياة الاقتصادية والسياسية ويتحكم في أهم منفذ بحري (قناة السويس)، والانتخابات والملكية الدستورية كانت عاجزة عن بناء جيش قوي يحمي مصر ويدافع عن فلسطين التي اغتصبها اليهود الصهاينة بعد وعد بلفور المشؤوم وقرار التقسيم وقرار إنشاء الكيان الغاصب في 1948.
كل تلك التحديات والمخاطر وحالة التردي العام وغياب الشعب عن الأحداث، استفزت هذه الظروف مجتمعه الضباط الصغار في الجيش المصري الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار للقيام بالثورة أو الانقلاب العسكري! كما يصفه خصوم ثورة يوليو، الثورة لتغيير الواقع الاجتماعي وقلب المعادلة برمتها، من قوى استغلالية إقطاعية واحتكارية متحالفة مع الاستعمار تتحكم في الأرض ومن عليها وتستعبد الشعب وتمص وتستنزف خيراته إلى تحرير إرادة الشعب وتأميم الإقطاع الزراعي وتوزيع الأرض على الفلاحين، وإنشاء مئات المصانع للنهوض بالطبقة العاملة وتعليم الملايين من الأطفال وجعل التعليم مجانيا للفقراء وفتح الآفاق أمامهم، والأهم من هذا وذلك طرد القوات البريطانية من السويس ثم تأميم القناة.
كل هذه الأعمال الجذرية والتي كانت لمصلحة مصر والمصريين جعلتنا نصف ما قام به الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ثورة كاملة الأركان، ودشنت عصر الثورات المسلحة في الجزائر (حركة تحرر وطني وحرب تحرير شعبية)، وثورات لقلب أنظمة الحكم في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا، هذه الثورات والأعمال العسكرية أنجزت أهدافا كبيرة وواسعة، حيث طردت القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية، وأممت قطاع الطاقة ـ أهم مصادر الدخل، ورفعت أسعاره وفرضت المشاركة العادلة في أعمال التنقيب والإنتاج والتسويق، وألغت الاحتكارات الأجنبية في قطاع المال والصناعة التي خلقت قاعدة عريضة في المشاركة الشعبية سياسيا واقتصاديا وتعليميا، إلا أن أعداء الشعوب وناهبي ثرواتها والطامعين في الجغرافية والموقع الاستراتيجي الذي يتحكم في عقد المواصلات والمنافذ البحرية الاستراتيجية، أبوا علينا ذلك وأعادوا تحالفاتهم من جديد مع قوى الداخل المحلية والإقليمية، الذين أعادونا إلى ما قبل الثورات العسكرية.
واليوم نراهم يتجمعون من جديد لإبقائنا مكبلين تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم الديمقراطية والانتخابات والدستور وحرية السوق وتطبيق الليبرالية الرأسمالية، هذه الأهداف التي جربناها في السابق وكانت فاشلة ولم تنجز شيئا أو ضحكوا بها علينا ثانية في 2011 ولم نجن منها إلا الحروب والدمار ونهب مواردنا وقتل شعوبنا وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، فهل نستحضر تجربة حركة الضباط الأحرار في مصر 52 وليبيا 69، ونستخلص الدروس والعبر ونخلق تحالفات وطنية واسعة مع القوات المسلحة والشعب وقواه الوطنية المؤمنة بالحرية والاستقلال واستعادة الدولة الوطنية ومؤسساتها، ثم دعوة الشعب جميعا لتقرير مصيره وطرد المحتل الأجنبي وتدخله السافر وتحجيم دور القوى المحلية الطفيلية قوى النهب والعبث والفوضى وكيل المستعمر الأجنبي والراعية لمصالحه.