مقالات الرأي

المغردون خارج السرب

بقلم/ فرج بوخروبة

تعلمنا منذ الصغر، أن كل شيء يخرج عن المألوف، ويخالف القياس، والتفرد بالرأي، والإصرار على شعار خالف تعرف!! مع شيء من العناد بنكهة الجهل، مرده الشذوذ عن القاعدة العامة، سواءً كانت عن الشريعة الإسلامية أم الحياة الاجتماعية بشكل مطلق.. ولهذا الشذوذ أثره السلبي، حيث التبعية العمياء والاتكالية على الآخر، في غياب الوعي الذاتي لدى الفرد، الذي ينتمي إلى عصبية مذمومة، دون إدراك قيمة نفسه في التعبير عن ذاته، أو عن غيره، وفق طبيعة شخصيته الإنسانية والاجتماعية، وسلوكه الذي هو المعبر عن إرادته، واستقلاله التام عن الآخر، فكرًا وعقلا، نهجًا وعقيدة.. متناسيا عن قصد أو غير قصد، أهمية وحدة الجماعة وقوتها، وتعاضدها وتضامنها كقواسم مشتركة تمكنها من الصلابة وشدة البأس، في مواجهة التحديات والأزمات.

ولنا في الإسلام السياسي وظاهرة الإيمان الشكلي، الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها على سبيل الاختصار التيارات الدينية المتطرفة المختلفة، كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة أنصار الشريعة الإسلامية، والجماعات الجهادية، وجماعة التبليغ والدعوة، والمقاتلة وغيرها من الجماعات والتيارات الدينية الأخرى، التي تسعى إلى السيطرة بشتى الطرق والوسائل على مفاصل الدولة والمجتمع، تحت غطاء الجماعة الحاكمة التي كانت تقوم بعمل سياسي، بمباركة دول عربية وأجنبية تتبنى مشروعهم السياسي والاقتصادي تحت شعار الإصلاح والتغيير، وفق رؤية يكتنفها الغموض.

لو رجعنا إلى الماضي لنرى كيف تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد مرشدها حسن البنا 1928 بدعم بريطاني، وجماعة القاعدة وقائدها بن لادن، بصناعة غربية، كما صنعت داعش وما سوف يأتي لاحقًا من أجسام تحت مسميات مختلفة.. مع ذلك تجد من ينتمي إلى هذه الجماعات كمنقاد لها طمعًا في حور العين وجنة الخلد وأنهار الخمر واللبن والعسل ولحم الطير وفاكهة وأبا، كثمن لجهاده ضد المسلمين الذين كانوا على صحيح الإيمان واليقين، قرآنًا وسنة، قياسًا وإجماعا بصفاء ذهن المسلم المعتدل.

أخذ المتطرفون على عاتقهم تكفير كل مخالف لهم بالباطل، ويدعون لقتلهم بشتى الوسائل والأساليب غير المشروعة إنسانيًا ولا أخلاقيا، حيث نعتنا بالعوام، وما أدراك ما العوام تفسيرًا لهذه الكلمة وما تحمله ما معان يطهرها الدم وفق شريعتهم الخرافية!! يتصرفون في شؤون الآخرين بكل صلِفَ، من التَّكبُّر والعُجب، ادَّعى ما فوق قَدْره عُجْبًا وتكبُّرًا على غيره ثقلت روحُه، أُبغِضَ، لم يحظَ بالرِّضا عند النَّاس “من يبغِ في الدِّين يَصْلَف”.

وبدعواته المتكررة، وتكفيره لمن يعارضه ومنح مفاتيح الجنة لمن يشاء بمقاييسه واجتهاداته المزاجية بل والدفع نحو القتل العمد بدعوى التصحيح والإصلاح بفكر متطرف!!

نرى ما يسمى مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني، في كل ظهور له يردد نفس الكلام الذي من شأنه التحريض المستمر على العنف وعرقلة بناء الدولة الحديثة، وللأسف هناك من ينجر لهذه الأفكار الهدامة، ويستنكر على الليبيين دعمهم للجيش والشرطة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وقد كان له أذرع في الداخل والخارج يحفزهم للاستيلاء على السلطة، مما قد يؤدي إلى إضعاف الأزمة كخروج عن السلطة القائمة، والانقلاب عليها بغطاء إسلامي غايته الحكم.

فمجلس الدولة مثلًا نراه دائمًا معارضا، ويغرد منفردًا ضد أي قرار سياسي، أو اقتصادي، أو عسكري، وهذا هو السبب الرئيسي وراء كمية الرفض المتكررة، معتبرا نفسه شريكا لمجلس النواب بعد اتفاق الصخيرات الذي ورد في بعض مواده الشراكة بينه وبين مجلس النواب أساسه تشاوري فقط، شريطة أن لا يتجاوز المتفق عليه!!

ونرى حكومة الدبيبة ترفض وبشده ما ينتج عن البرلمان الذي بدوره سبق وأن حجب عنها الثقة في البرلمان، كما نرى ميليشيات تأمر حكومة الوحدة الوطنية المقالة بعدم قبول ما يصدر من السلطات الشرعية، ونرى مدنا خارجة عن سلطة الدولة وبكل تبجح، ونرى أشخاصا لهم دور سلبي في تحقيق بناء الدولة وذلك لرفضهم القاطع لكل ما من شأنه أن يقرب وجهات النظر بين الليبيين، نرى من هم ضد بناء المؤسسة العسكرية، نرى من ينعق عبر إذاعات ممولة لحساب أجندة معينة نراه يغرد منفردًا، تارة ناقدا وتارة حاقدا وتارة أخرى رافضا أي بادرة من أجل لم شمل الليبيين والمضي قدما نحو مستقبل زاهر يعكس ما هم عليه من انكسار على حياتهم الكارهة لكل جميل.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى