العالم بين الشعبوي المتهالك والعقائدي الزاحف
بقلم/ محمد جبريل العرفي
الدول الشرقية يقودها عقائديون وطنيون يراعون مصالح شعوبهم إما بأحزاب عقائدية كالحزب الشيوعي الصيني أو قادة قوميين مثل (بوتين) أو (كيم أون) أو قادة إرث الثورات التحررية مثل فيتنام، أو العريقة مثل الهند
على مر التاريخ القادة العقائديون هم الذين يغيرون واقع شعوبهم، إيجابًا مثل تشرشل وديجول وكول وواشنطن وعبدالناصر وغاندي ونيريري وأورتيغا وغيرهم، أو سلبًا مثل هتلر وموسليني وجورباتشوف وسينجور وبينوشيت ولينول وغيرهم.
جل الغرب يفتقر الآن لقادة وطنيون، فقد أنتجت الانتخابات شعبويين فاسدين ضعفاء وجهلة، وهذه طبيعة الانتخابات، فهي تنتج الأقوى وليس الأصلح.
ورط الأنجلوساكسون الاتحاد الأوروبي في مواجهة الروس فاستنزفت حرب أوكرانيا اقتصادهم، واجتاح الغلاء أوروبا، فقامت الشعوب بانقلابات بالانتخابات، فسببت شروخا وانقسامات بالمجتمعات، فماكرون يترنح بين التيارين المتطرفين يمينًا ويسارًا، وفي بريطانيا يعيش الشعب أسوأ حالاته من الغلاء وشح إمدادات الغذاء، وتردي الخدمات الصحية العامة، حيث وصلت قائمة انتظار الحالات الطارئة إلى ثلاثة أسابيع، وقائمة انتظار الأمراض العادية إلى ستة أشهر.
المجر قد تتسبب في تفكك الاتحاد الأوروبي. حاول الأوكرانيون اغتيال الرئيس المجري (أوربان) لأنه زار روسيا سرًا، كما قام الأوكرانيون بقفل خطوط النفط والغاز الروسي التي تعبر أراضيهم إلى المجر. المجر تستند على إرث حضاري يعود لقرون، مثل إمبراطورية المجر والنمسا التي تفككت عام 1920 بعد الحرب الأوروبية الأولى، وتعد انتفاضة المجر 1956 أهم الأحداث أثناء الحرب الباردة رغم أنها استمرت 17 يوما فقط.
يقود المجر الآن رجل قومي اسمه مشتق من البابا (أوربان الثاني) الذي أطلق الحملة الصليبية الأولى عام 1095 لاستعادة القدس من السيطرة العثمانية. محتمل أن يعيد (أوربان) المجر إلى فضائها السابق كحليف لروسيا.
تعاني إيطاليا من أمواج الهجرة، وتخشى على شريان الطاقة الواصل إليها من إيني. ترأسها الآن المافيوزية (ميلوني)، صاحبنا يتعامل معها بغريزة حيوانية، وهي تحاول أن تنأى بنفسها بعيدا عن أمريكا وبقية الأوربيين، باتخاذها موقفا وسطا في الحرب الأوكرانية
أوصلت الانتخابات الألمانية (شولتز) إلى المستشارية، خلفا للقوية (ميركل)، وهو أضعف شخصية في تاريخها، تابع وخانع للأمريكيين منفذًا لأجنداتهم، بما فيها التي ضد مصلحة ألمانيا، وخاصة الدعم الأعمى للأوكرانيين والصهاينة، بينما يطحن التضخم المواطنين، فألمانيا أغلى دولة في سعر الكهرباء في العالم، وتنهج سياسات متناقضة، فهي من ناحية تغلق محطات التوليد النووية، ومن ناحية تحيي توليد محطات الفحم، كما أنها تعاني من هجرة العقول والمستثمرين نتيجة البيروقراطية وغلاء الطاقة وضخامة الضرائب. الشعب الألماني منتفض الآن سلميًا بالمظاهرات ويترجم ذلك بصناديق الاقتراع، رغم أن الألمان حاولوا الانقلاب عسكريا عام 2022 فيما عرف بحركة مواطني الرايخ.
في المقابل الشرق يقوده عقائديون وطنيون يفضلون مصالح شعوبهم عن مصالحهم الشخصية، إما بأحزاب عقائدية متجذرة مثل الحزب الشيوعي الصيني أو قادة متميزين قوميين مثل (بوتين) في روسيا أو (كيم أون) في كوريا الشمالية، إضافة إلى قادة دول إرث الثورات التحررية مثل فيتنام، أو الحضارة العريقة مثل الهند.
الشرق يزحف حثيثا لاحتلال مناطق النفوذ الغربية، وخاصة بأفريقيا، وإن كانت الصين تنتهج التغلغل الناعم من خلال الاقتصاد، بتمويل مشروعات تنموية، نرى روسيا تنتهج أسلوبا مزدوجا يخلط بين الاقتصاد كأن يمنح بوركينا فاسو القمح مجانا، وأسلوب التواجد العسكري لتدعيم طرد الوجود الغربي مثلما حدث مع فرنسا وتلتها أمريكا.
بوتين يستغل ضعف الإدارة الأمريكية خلال سنة الانتخابات فيزحف في أوكرانيا وأفريقيا بوتيرة سريعة، تحسبا لوصول (ترامب) للبيت الأبيض، الذي يرفع شعار وقف كل الحروب وتقليص الإنفاق العسكري، بما فيها القواعد الخارجية والأساطيل البحرية، والتركيز على الاقتصاد، ويعد الأمريكيين بالازدهار الاقتصادي كقفزة التكنولوجيا في العقد من 1998 الى 2008، حيث حدثت طفرة التكنولوجيا وظهر الاقتصاد الرقمي وتأسست شركات عملاقة مثل جوجل وياهو واي فون والأمازون وميكروسوفت وغيرها.
أمام هذا المخاض يبقى أملنا في قائد مثل (هوشي منه) يطرد المحتلين، ويوحد الوطن، ويحرر إرادة الليبيين، ويؤسس قطبا عربيا أفريقيًا يتبنى سياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابي.