مقالات الرأي

قوة الثقافة

بقلم/ المهدي الفهري

نحن اليوم أمام تساؤل منطقي.. كيف نجعل من الثقافة قوة؟ وكيف نحقق الفعل الثقافي النوعي الذي يجدد للإنسان قيمه ويحرك أحاسيسه ومشاعره ويخلص عقله ووجدانه من الخلط والالتباس؟ وكيف يتمكن من غربلة وتصفية الأفكار والتفريق بين الأفكار الميتة والمميتة وأن يمتلك القدرة على مواجهة الاستعمار الفكري والثقافي والحضاري؟

الانبهار بالعالم دون فهمه كالانبهار بالعلم دون استيعابه سيضر بتكوين وهندسة حياتنا العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضًا ويحول القضايا المصيرية مع مرور الوقت إلى مشهد عادي في يومياتنا، وما نحتاجه اليوم هو وضع القواعد الفكرية والفلسفية لصياغة تفكير جديد يفك القطيعة مع ما هو قائم ويحقق نوعا من الأمل وينسجم ويتجانس مع ما يحدث في محيطنا من متغيرات ضمن حركة المفهوم النوعي للثقافة والبحث عن المعادلات اللازمة التي تستطيع نقل المجتمع من الانهيار الحضاري إلى عصر اليقظة والتعويل على دور المؤسسات العلمية والتعليمية في فتح حوارات فكرية وثقافية تناقش دور المثقف في تغيير الإنسان وبناء المجتمع علميًا وبحثيا واجتماعيًا مع ملاحظة أن بث الحياة والحركة والتجديد في الثقافة يحتاج إلى تحديد وتجديد الرؤية لعالم هو نتاج وخلاصة الدلالات والآثار التي تتركها النفس الإنسانية في سفرها التأويلي للعالم أو ما يعرف بالثقافة وأفعالها النوعية في التاريخ مع أهمية القدرة على التفريق بين القطيعة التاريخية بمعنى فهم الشيء والتخلي عنه طواعية وبين القطيعة المعرفية التي تمكننا من القدرة على المقارنة بين ما هو جيد وما هو سيئ وتفيدنا بالتالي في الاهتمام ببناء الأجيال بتفكير جديد وثقافة جديدة لاسيما في ظل الفوضى الفكرية حول تاريخنا الذي يفتقر إلى المناهج التي توحد أس وأساس القراءة والفهم وإلى الرؤية التي تعتمد عليه كمنهج ومصدر ومرجعية وإلى المنهجية التي تحدد أسلوب وآليات العمل التي يجب اتباعها لمعرفة واكتشاف جوهره ومحتواه وكيفية تعليمه لأجيالنا في كل مرحلة وهيكلة هذه الأجيال في مؤسسات الدولة بنموذج تكوين فكري وقائي استباقي مما يجعلها عصية أمام حروب الجيل الرابع والخامس من عنف وتخريب وتضليل وحروب نفسية وإلكترونية وتقديم تاريخنا كما هو وعدم اقتباسه من المستشرقين، مع التأكيد على أن نقد الماضي وحده لا يفيد، بل ينبغي رسم خطوط مشتركة موازية للفكر السياسي السائد وبعيدة عن الفكر السطحي الشعاراتي الذي عادة ما يقف عائقا أمام الفكر المعرفي والسعي لتحرير وتحريك العقول الجامدة وإتاحة الفرصة لإعادة طرق التفكير.

ومجرد الشعور والإحساس بهذا الفارق يفتح آفاق التفاؤل في إمكانية حصول التغيير المنشود من خلال تطوير المجتمع المدني ومؤسساته والاهتمام بالتعليم والثقافة والحرص على سيادة القانون واحترام الرأي الآخر ونحن اليوم أمام تساؤل منطقي.. كيف نجعل من الثقافة قوة؟ وكيف نحقق الفعل الثقافي النوعي الذي يجدد للإنسان قيمه ويحرك أحاسيسه ومشاعره ويخلص عقله ووجدانه من الخلط والالتباس؟ وكيف يتمكن من غربلة وتصفية الأفكار والتفريق بين الأفكار الميتة والمميتة، وأن يمتلك القدرة على مواجهة الاستعمار الفكري والثقافي والحضاري، فالثقافة هي التي تخلق النشاط وتفرز الإنسان المميز في وسط عالم يتميز بديناميكية دائمة ويسمح للإنسان بأن يساهم بالفعل الثقافي في صناعة تاريخ جديد في كل مرحلة زمنية كأفق متجدد وتتعاقب عليه قوى مختلفة تتنافس فيما بينها على فرض بصمتها على الأشياء وعلى ترك آثارها في أذهان الآخرين وفق واقع قابل للتغيير وقابل للزوال بزوال الجهل والخوف والأمية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى