“إعلان بكين” طريق لإنهاء الانقسام، فهل تتوفر الإرادة؟
بقلم/ محمـد علوش
التحركات الصينية تنسجم والواقع الفلسطيني لجهة أولوية الوحدة الوطنية، بين أطراف جميع القوى، وقناعتها بأنه لا يمكن حل الصراع في الشرق الأوسط، إلا من خلال فتح مسار سياسي، يضمن حلًا عادلًا للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي بكل مظاهره وتعابيره عن فلسطين
تفاءل شعبنا الفلسطيني بالحوار الفلسطيني – الفلسطيني في الصين برعاية صينية كريمة، حيث شارك في الحوار وفود تضم ممثلين عن أربعة عشر فصيلًا سياسيًا فلسطينيًا، وأدارت الحوار فيما بينها لمدة ثلاثة أيام في بكين، حيث سادت أجواء إيجابية خلال الجلسات المغلقة للحوار التي تضمنت بحث ومناقشة كافة الملفات المؤرقة للوضع الفلسطيني والتباينات القائمة بين كافة القوى والفصائل، وبخاصة بين الطرفين الأساسيين في الانقسام الفلسطيني – حركة حماس وحركة فتح – اللتين شاركتا في الحوارات وعبرتا عن عزيمة حقيقية للعمل على طي صفحة الانقسام.
على أهمية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إطار إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، والذي يمكنه أن يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الوطنية الداخلية وتعزيز الشراكة الوطنية والسياسية وتحمل المسؤولية الجماعيّة من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وطي صفحة الانقسام المدمرة التي أضرت بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية على سنوات طويلة.
نتحدث بصراحة تامة، فيما يتعلق بالأجواء الإيجابية للحوارات الوطنية والمداخلات الهامة التي قدمها قادة الفصائل، ومن بينهم الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني الدكتور أحمد مجدلاني، الذي قدم رؤية وموقف جبهة النضال الشعبي الفلسطيني من أجل إنهاء الانقسام وبناء الشراكة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ويمكنني أن أقول بصراحة – حيث شاركت في هذا الحوار – إن “إعلان بكين” هو من أفضل التوجهات والتوافقات التي تقدمها القوى المتحاورة للفلسطينيين في ظل ما يتعرض له شعبنا لأبشع جريمة حرب وإبادة جماعية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل، وفي ظل الصمود الأسطوري لأبناء قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وهم يجسدون أروع ملاحم البطولة والصمود في مواجهة التحديات والإجراءات التي يكرّسها الاحتلال.
أجواء الحوارات كانت جديّة وشاملة، وبحثت في كافة القضايا والملفات، وأكدت على القواسم المشتركة وعلى تعزيز العلاقات الوطنية ومسؤولية كلّ القوى والفصائل الفلسطينية في سبيل تحقيق أهداف وتطلعات شعبنا بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ومن هنا علينا توجيه التحية للجهود الصينية المخلصة، والإشادة بمستوى الرعاية الكريمة والمتميزة والحفاوة الكبيرة التي صاحبت جلسات الحوار من قبل وزارة الخارجية الصينية والقيادة الصينية التي وفرت كل السبل والوسائل والإمكانات اللازمة لتحقيق أهداف الحوار الفلسطيني بمشاركة كافة الأطراف ذات العلاقة في الساحة الفلسطينية.
ما تم تحقيقه في جولات الحوار، خطوة إلى الأمام وإيجابية، لا بد من العمل الجاد لاستكمالها، وترجمتها الفعلية والملموسة بإجراءات تنفيذية باستعادة الوحدة الوطنية وتوفر الإرادة السياسية بإنهاء الانقسام والتحرر من كافة الضغوط والإملاءات الخارجية، ووضع قرارات “إعلان بكين” موضع التطبيق وبدون أي تردد أو إبطاء، ودعوة الإطار القيادي المؤقت للاجتماع للبحث في الآليات التنفيذية للإعلان.
إن “إعلان بكين”، مثل محطة مهمة من محطات الحوار الفلسطيني، حيث سبق ذلك جولات وجولات في عواصم مختلفة، وهذا الإعلان عكس تمسك جميع الأطراف والقوى الفلسطينية الـ14 بالثوابت الوطنية، لجهة وحدانية التمثيل الفلسطيني، عبر منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها الوطني، في الحرية والعودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس، وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وعكس أيضًا قناعة جميع الوفود المشاركة، بأن تشكيل حكومة التوافق الوطني، من الكفاءات الوطنية المستقلة ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، يقطع الطريق على كافة المخططات الهادفة إلى العبث بأوضاعنا الداخلية/ وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ويشكل مدخلًا أساسيًا للإعداد للانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني، وفقًا للقانون بنظام التمثيل النسبي الكامل، وإعادة بناء النظام السياسي على أسس من الديمقراطية والشراكة الوطنية الحقيقية، في إطار دولة فلسطين.
ورغم بعض التباينات والاختلافات، وهذا مظهر صحي، فإننا لمسنا النوايا والمواقف الصادقة من قبل جميع الفصائل، من خلال كلمات رؤساء الوفود والحوارات الثنائية، التي أكدت الإصرار على طيّ صفحة الانقسام، وإلى جانب ذلك فقد تجلت الأهمية الفائقة لإعلان الاتفاق الفلسطيني من بكين عاصمة جمهورية الصين الشعبية، والذي كان وما زال لمكانتها الخاصة، القدرة المتميزة للعب دور في مسارات المصالحة الفلسطينية، هو محل تقدير من قبل كل الفلسطينيين، فالتحركات الصينية تنسجم والواقع الفلسطيني لجهة أولوية الوحدة الوطنية، بين أطراف جميع القوى، وقناعتها بأنه لا يمكن حل الصراع في الشرق الأوسط في منطقتنا العربية، إلا من خلال فتح مسار سياسي، يضمن حلًا عادلًا للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وهناك مبادرة صينية مهمة بهذا الإطار “الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث لحل القضية الفلسطينية…”، وهذا ما يتلاقى مع الدعوة إلى مؤتمر دولي متعدد الأطراف، برعاية الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، يكفل إنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي بكل مظاهره وتعابيره عن أرضنا الفلسطينية.
“إعلان بكين” خطوة في اتجاه صحيح، وقطار المصالحة قد انطلق من الصين، والأمل أن تتوفر الأجواء والمناخات لترجمة الإعلان والمضي في طريق إنجاز إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية البرنامجية.