مقالات الرأي

تنامي خط الفقر العربي 

​​​بقلم/ محمد بوخروبة

تصاعد عدد البلدان العربية، التي يعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر، لتشمل أقطارًا عريقة، كان لها إسهام مركزي في الانبعاث العربي، وفى دعم أشقائها العرب وإعانتهم، وفي النهضة الثقافية، الذي بدأت طلائعها منذ نهاية القرن التاسع عشر. وترجع أسباب تردي الأوضاع الاقتصادية لأمور عديدة، بعضها خارجي مباشر، وبعضها الآخر، يعود لأسباب ذاتية، مصحوبة بضغوطات خارجية مباشرة وغير مباشرة.

فليبيا على سبيل المثال، عانت من سنوات دم، أعاقت تطورها ونماءها، إثر اندلاع ما بات معروفًا بالربيع العربي. غدت البلاد مختبرا لصراعات إقليمية ودولية. كان من نتائجها خروج مناطق عن سيطرة الدولة لتسيطر عليها ميليشيات نهبت ممتلكات الدولة في عدد من المدن، وتفكيك منظومتها الأمنية. 

وفي ظل هذه الأوضاع، يعشعش الفقر، وتتراجع قيمة الدينار إلى أدنى مستوياته منذ الاستقلال، وعلى أمل أن تستعيد ليبيا عافيتها، إن معالجة حالة التردي الاقتصادي تتطلب برنامجًا عمليًّا للقضاء على الفساد، والنهب الممنهج، وتوحيد المؤسسات، والتخلص من جميع الأجسام البالية، باستحقاق انتخابي نزيه، والتوجه المباشر من اقتصاد الاستهلاك للاقتصاد المنتج، وعمل مختلف التسهيلات لتنشيط القطاع الخدمي والصناعي والسياحي. 

أما لبنان، فإنه يعاني بالإضافة إلى تركة القسمة بين الطوائف، من العجز عن مقابلة استحقاقات الناس، كما يعاني من الأزمات السياسية المتكررة، التي نتج عنها غياب حقيقي لأجهزة الدولة، فلبنان هو الوحيد، التي تسير ماكينته الاقتصادية، في ظل غياب دائم لرئيس الدولة أحيانًا، ورئيس الحكومة في أحيان أخرى. لقد جعل هذا الفراغ السياسي، البلاد مرتعًا للفاسدين واللصوص، وإلى غياب شبه كامل للاقتصاد المنتج.

ولا شك أن هذا الواقع المؤلم، يضاف له العزلة المفروضة على لبنان من قبل بعض أشقائه العرب، أدى إلى تعطل النشاط السياحي، وحرمان البلاد من دخل رئيسي كبير، يتأتى من السياحة. ولعل الأيام القادمة، تسهم في تحسن أوضاع الناس الاقتصادية، بعد فتح السفارات الخليجية في بيروت، وعودة النشاط للحركة السياحية.

 وفي سوريا واليمن تسببت الفوضى، التي أخذت مكانها منذ عام 2011، في تفتيت البلاد، وتراجع سعر العملات، إلى أدنى مستوياتها، وإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين، وتوقف حركة الإنتاج، وتراجع العمل بالمجال الفلاحي، ووصول غالبية السكان، إلى ما دون خط الفقر.

وحين نأتي إلى مصر، البلد الأكثر كثافة سكانية بالوطن العربي، فإنها شهدت استكمالًا سريعًا في بنيتها التحتية، شملت شق شوارع كبرى وبناء جسور ضخمة بالمدن الرئيسية والطرق السريعة، غطت الجزء الأكبر من البلاد، كما شهدت بناء العاصمة الإدارية الجديدة، وتوسعًا في بناء أحياء كبرى، في شرق القاهرة وغربها. وفي ظل غياب الوفرة في المال، وضعف سوق الإقراض العربية، اضطرت الحكومة، إلى اقتراض مليارات الدولارات من الخارج، وبشكل خاص من صندوق النقد الدولي.

وأمام عجز الحكومة عن سداد الديون، وبسبب برامج التقشف التي فرضت من قبل صندوق النقد الدولي، انخفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار، وبلغت الفجوة بين سعره القديم والسعر الحالي أضعافًا مضاعفة، وتزامن ذلك مع تراجع الدور الاقتصادي للقطاع العام، وتقليص مساحة الأراضي الزراعية، لصالح السكن، بسبب الكثافة السكانية في أكثر المناطق الزراعية خصوبة.

 وللأسف فإن حالة العوز التي أشرنا إليها لا تقتصر على البلدان التي ذكرناها، بل تشمل بلدانًا أخرى لا مجال لتناولها في هذا الحديث القصير، والحل الحقيقي للأزمة، كما نراه، يكمن في تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية، وصولًا إلى الوحدة الاقتصادية، وحماية الصناعة الوطنية، وزيادة الضرائب التصاعدية، بحيث لا تشمل القاعدة العريضة من الناس، بل الأكثر ثراء وقدرة منهم، وربما يسهم تأسيس بنوك اقتراض عربية، بنسب أرباح منخفضة، في حل عملي لجوانب كثيرة من أزمات التردي الاقتصادي الراهنة.

فعسى أن يكون لهذه الصرخة، صوت مسموع، قادر على الوصول إلى من يعنيهم الأمر.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى