مقالات الرأي

الانتخابات الأمريكية.. لا خيارات

بقلم/ ناجي إبراهيم

الحديث عن الانتخابات الأمريكية يستهوي الكثيرين بما يحمله من تحديات تواجه العالم مبنية على نتائج الصندوق، وما يمثله من نموذج للتداول السلمي للسلطة للبعض رغم ما يحمله من عنف مادي خشن ولفظي ناعم، وتحمل كثيرًا من الوعود بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن الأمريكي وتهديدًا صريحًا لشعوب المعمورة بسيطرة أمريكية على جغرافية العالم بما يحقق هيمنة على القرار الدولي سياسيًّا واقتصاديًّا.

هذه الديمقراطية التي لا تتيح خيارات كثيرة أمام الناخب الأمريكي، وتجعله يختار فقط بين السيئ والأسوأ، بين من سيخفض الضرائب وآخر سيرفعها، ومن يغلق الحدود مع المكسيك ومن يفتحها، وبين من يدعم (إسرائيل) وآخر إسرائيلي، وللناخب خيار ثالث وهو مقاطعة الانتخابات، وذلك لن يمنع وصول أحد الخيارين من الوصول إلى البيت الأبيض واحتكاره قرار الحرب والسلم.

تنقل وسائل الإعلام عن الحملات الانتخابية بين الديمقراطيين والجمهوريين شعاراتهم ووعودهم التي لا خلاف بينها عدا بعض الألوان التي كتبت بها.

حملة ترامب ترفع شعار (أمريكا أكثر غنى)، لتسويق حملته لتصل لكل شخص يحلم بالثراء والغنى ويسعى للخروج من الفقر، ولن يسأل من أين لبلده الغارق في الديون وبشكل مطرد أن يحقق له هذا الحلم؟

وحتى إذا تحقق بعض منه سيكون بأمر من ثلاثة، إما بمزيد من الديون، وإما برفع سقف الضرائب التي لن تمس ثروة الأغنياء، أو من خلال نهب ثروات شعوب العالم وذلك ما يدخل الدولة الأمريكية في صراعات وحروب تستنزف موارد وثروات يتحملها الناخب الأمريكي في شكل ارتفاع في الضرائب وغلاء في الأسعار التي ستذهب لجيوب الرأسماليين.

كل النقاش يدور على المسرح السياسي وفي ساحات الإعلام حول شيخوخة بايدن وعدم قدرته على الحكم، وتفوق ترامب وفق استطلاعات الرأي التي أظهرت قدرته على الإطاحة بخصمه في أول مناظرة والتي حملت كثيرًا من الشتائم والاتهامات، وخاصة بعدم قدرة بايدن على هزيمة حماس لمصلحة الكيان الصهيوني.

إذن نحن بين من فشل في هزيمة المقاومة رغم الدعم العسكري والمالي والسياسي، وبين من سيبذل جهدًا آخر إضافيًّا قد يكون غير متاح الآن أو أن الحكومة الحالية لم تستخدمه.

إذا صوت المواطن الأمريكي للمترشح ترامب يعني ذلك أنه وافق على إبادة الشعب الفلسطيني وإنهاء قضيته وحقه في التحرير وتقرير مصيره، وهو الذي لم يعترض على مشاركة بايدن في تدمير غزة وإبادة شعبها وتجويعه.

في كلا الخيارين لا مصلحة لنا نحن العرب وخاصة الشعب الفلسطيني في فوز أحد المترشحين، وعلينا أن نوفر جهدنا ونحن نغرق في التحليل والتوقعات ولمن ستكون الكفة، ميلانها لأي طرف لن يخدم مصلحتنا، علينا توجيه جهودنا نحو توحيد جبهتنا ومقاومتنا لهزيمة المشروع الاستعماري ودحره وتحرير منطقتنا من الهيمنة والتبعية للقرار الأمريكي والغربي.

هذه هي الديمقراطية الغربية وانعكاساتها على السياسات الداخلية والخارجية، التي رأينا تطبيقاتها على أرض الواقع، محليًّا مزيدًا من الضرائب وتوسيعًا في قاعدة الفقر، وخارجيًّا حروبًا ونزاعات وقتالًا وتغذية للنزاعات الوطنية وهيمنة على المنظمات والمؤسسات الدولية خدمة لسياساتها الإمبريالية والتوسعية.

وشهدنا ترامب وهو يتسلم عهدته السابقة في البيت الأبيض يمارس عمليات ابتزاز ضد البلدان الخليجية النفطية، ويرفع في وجوههم عصا التغيير والتخلي عن حمايتهم في مواجهة رياح تغيير من الداخل أو من الخارج، وقاد حملة لجني الأموال بالمليارات لصالح الخزانة الأمريكية.

هل سنراه اليوم وهو يحسم صراعه بالفوز لعهدة أخرى أن يمارس نفس السياسة ليجعل أمريكا غنية بأموال النفط العربي؟

وليبيا لن تكون استثناء، بل ستكون هي الأكثر استعدادًا لدفع الأموال في ظل تحكم ساسة الصدفة على القرار فيها من أجل حماية أمريكية تضمن لهم الاستمرار في السلطة، وتعمق سطوة المبعوثة الدولية (ستيفاني) على صناع القرار في ليبيا من خلال منع مجلس الأمن عن اتخاذ أي قرارات تفضي إلى وجود حلول للأزمة الليبية.

من ينتظر تغييرًا ولو شكليًّا على السياسات الأمريكية بمجرد تغيير الأفراد أو تموقع الأحزاب في ظل النظام السياسي الحالي فهو واهم وعليه التأكد من مداركه العقلية.

ربما يحدث تغيير على الأولويات وقد تختفي شعارات لتستبدل بشعارات أخرى، الأدوات هي نفسها ولو تم استخدامها بأشكال أخرى وليست جديدة.

الغرب الذي تأسس على القتل والإبادة لن يتوقف عن ارتكاب المجازر ودعم الإبادة، الغرب الذي جبل على النهب المدفوع بجشع رأس المال والمبني على نظرية (الغاية تبرر الوسيلة) لن يتخلى عن سياساته الإمبريالية، ما يوقف هذه السياسات ويعطلها هو المقاومة الشعبية السلمية والمسلحة.

زر الذهاب إلى الأعلى