مقالات الرأي

نهاية الهيمنة الأمريكية بفعل عسكرة الدولار وإشعال الحروب

بقلم/ محمد جبريل العرفي

استخدمت أمريكا احتياطيات الدول بالدولار كسلاح بتجميد الأرصدة والاستيلاء عليها.. وهذا أول إسفين في نعش الهيمنة الأمريكية، حيث بدأت الدول بسحب استثماراتها، واعتماد العملات المحلية في التبادل التجاري.. منظمة (بريكس) أنشأت مصرفًا مركزيًّا وستصدر عملة موحدة وتفكر في إنشاء صندوق نقد دولي موازٍ

في كل حقبة تاريخية تختفي إمبراطوريات لتظهر أخرى. بلغ القطب الأمريكي أوج عنفوانه عندما انتصر على الاتحاد السوفيتي بمساعدة بعض العملاء العرب والسذج المسلمين، وكذلك زراعة عملاء في هرم السلطة السوفيتية ليكتبوا شهادة وفاته في 1991.12.26. عندما نسترجع جريمة المدعي للإصلاح (جورباتشوف والبروستريكا) نتذكر جورباتشوف ليبيا، وادعاء إصلاح ليبيا الغدر، وعندما نشاهد سلوك رئيس حكومة النكبة الوطنية، نتذكر سلوك السكير العشوائي الفاسد العميل (يلستين) الذي وصلت به العمالة لقصف البرلمان بالدبابات.

تربعت أمريكا على عرش العالم مستخدمة عملتها كإحدى أدوات الهيمنة، التي بدأت منذ 1944 بفرض الدولار عملة عالمية مقيّمة بالذهب، بمقدار 1.13 جرام لكل دولار، إلى حين (صدمة نيكسون) في 1971.8.15 بفك الارتباط بينهما، وبعد اغتيال الملك فيصل عقابًا له على قطع النفط 1973 وقعت السعودية اتفاقًا مع أمريكا 1974 لتسعير مبيعات النفط بالدولار (البترودولار)، فتراكمت احتياطيات الدول بالدولار، استخدمتها أمريكا كسلاح ضد أعدائها وخصومها من خلال فرض عقوبات بحجز ما يمر بغرفة مقاصة نيويورك، وتجميد الأرصدة والاستيلاء عليها، مثلما فعلت مع العراق وليبيا وروسيا. آخر عملية سطو علني، هي الاستيلاء على 300 مليار دولار روسية لتمويل الحرب الأوكرانية.

هذه السلوكيات الأمريكية أفقدت الثقة في عملتها فبدأت الدول تبحث عن وسائل أخرى لحماية مدخراتها، بسحبها استثماراتها، واعتماد العملات المحلية في التبادل التجاري، بما فيها الدول الصديقة لأمريكا مثل السعودية التي لم تجدد اتفاقية (البترودولار) وبدأت في بيع النفط بسلة من العملات، كما أن منظمة (بريكس) أنشأت مصرفًا مركزيًّا، وستصدر عملة موحدة، وتفكر في إنشاء صندوق نقد دولي موازٍ.

رأس المال جبان ولا يخضع للاعتبارات السياسية، فالقرار الوحيد للشهيد صدام ونفذه الخليجيون على الفور هو تقييم الدينار العراقي مقابل 12 دينارًا كويتيًّا، في وقت كانت العملتان متساويتين عند 3.25 دولار للدينار.

التخلي عن الدولار أول إسفين في نعش الهيمنة الأمريكية، والسبب الثاني إشعال الحروب لتزداد مبيعات السلاح، لا يهمهم عدد الضحايا الذين يسقطون من رعاياهم أو رعايا الدول الأخرى، أو الدمار الذي تسببه الحروب، بقدر ما تجني شركات تصنيع الأسلحة من أرباح، وما تحققه شركات النفط من مكاسب نتيجة ارتفاع الأسعار لشح إمدادات الطاقة، شركات السلاح والطاقة تمول السياسيين ليفوزوا في الانتخابات، ليقوموا بإشعال الحروب، لتزداد مبيعات الأسلحة وترتفع أسعار النفط والغاز.

استفاق الروس من صدمة انهيار اتحادهم ونظم العقائديون أنفسهم ليفوز بوتين في 2000.3.26 الذي بدأ في استرجاع هيبة وأمجاد الاتحاد السوفيتي، وخلال ربع قرن صنع واقعًا جديدًا بوجود سياسي واقتصادي وعسكري في العالم متحالفًا من التنين الصيني، والدول المناهضة للإمبريالية في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، كفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران وكونفدرالية الساحل الإفريقية، فبدأ النفوذ الغربي يتقلص عالميًّا لصالح الشرق، وخاصة أن ذاكرة الشعوب لا تحمل ذكريات مؤلمة لمظالم وانتهاكات شرقية مثل تلك التي اقترفها الغرب خلال القرنين الماضيين.

الغربيون مستميتون على تقليص النفوذ الروسي في ليبيا، فيجندون العملاء، ويغررون بالسذج، ويحقّدون الطيبين. ليبيا الآن في عين المعركة بين الشرق بقيادة روسيا والغرب بقيادة أمريكا، وإن لم يتفطن الليبيون، ويدركوا أن المتغطي بالأمريكان عريان، فقد يؤدي الاصطفاف إلى انقسامها مثل الكوريتين، فقد نسمع دولة (ليبيا الشرقية وليبيا الغربية)، الأمل في قائد مثل (هوشي منه) يحرر إرادة الليبيين، ويطرد المحتلين والمرتزقة والعملاء، ويوحد الوطن.

نجاة ليبيا في تشكيل قطب عربي إفريقي يتبنى سياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابي، وهذا يتطلب طرد كل القوات الأجنبية من ليبيا، وغل يد الأجنبي عن التدخل السلبي في الشأن الليبي، وصناعة إدارة وطنية تهمها مصلحة الليبيين وليس مصالحها الأنانية مثل العبث الذي يجري الآن بتصرفات حكومة النكبة الوطنية ومؤسستها النفطية.

زر الذهاب إلى الأعلى