جيل وأجيال متلاحقة
بقلم/ فتح الله سلطان
لعل ظاهرة الانهيار السريع الذي طرأ على أخلاق وقيم شريحة كبيرة من المجتمع الليبي خلال العقود الثلاثة الأخيرة تستحق التوقف والتفكير؟ وبالعودة للوراء فقد كان جيلنا والجيل الذي بعدنا يعيش في بساطة ومحبة ووئام، صحيح كنا فقراء ومحرومين من أشياء حياتية ومعيشية كثيرة، ولكننا ترعرعنا وسط مجتمع يتسم بالمحبة والأخوة والصرامة مقرونة بالقيم والمبادئ والأخلاق الكريمة!! لما كنا صغارًا كنا في حضن هذه الأريحية البريئة التي تتسم بأخلاق وقيم السماء كذلك ثقافة العيب التي سنها العرف لتجسيد عادات وتقاليد المجتمع الليبي بأطيافه المتنوعة، كان الهاجس والشغل الشاغل للأب والأم والكبير من الناس سواء القريب أم الغريب هو تربية الصغير ومتابعة ومراقبة تطورات عمره قبل وبعد دخوله إلى الأزقة والحواري والشوارع والكتاتيب والمدارس، الكل مشترك في هدف واحد وهو تنشئة الطفل التنشئة الصحيحة السليمة بمقياس معرفتهم وثقافتهم البسيطة المتواضعة في ذلك الوقت، فالبيت والمدرسة والشارع هكذا كانوا مع الشرع وسنن العيب يكمل بعضها البعض تلقائيًّا دون سابق دراسة أو ترتيب بحيث صار جل مبتغاهم تربية الصغار والتفعيل العفوي لمقاصد الإسلام بحيث يندمج تمامًا مع ثقافة العيب طيلة مراحل تنشئة الصغار خاصة الأخلاقية والحياتية التي شرَّعها الخالق -عز وجل- ثم المجتمع، حيث تم تطبيقها بإخلاص وجدية وصرامة وبدون تردد أو إهمال.
الصغار كبروا وكبرت فيهم تشريعات السماء وأحكام القانون وسنن العيب حيث نتج بهما ميثاق وتوليفة جميلة متناسقة ومتجانسة تحت مظلة القانون وقيم العيب.
استمرت فاعلية القواسم الجميلة المشتركة هذه وسط المجتمع لنحو أربعة عقود حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تعاملات وتصرفات عموم المجتمع إلا النزر.
ولكن الذي حصل خلال الثلاثة العقود الماضية ربما كان السبب المباشر في بداية نهاية وتلاشي توليفة القانون والعيب تدريجيًّا بين أفراد المجتمع إلا ما رحم ربي، وإذا استمر الحال كما هو عليه الآن فمن المؤكد زوالها أي التوليفة، وبالتالي انهيارها تمامًا ما لم يُحدث الله أمرًا، فما الذي حدث وبهذه السرعة الرهيبة حتى انقلبت النواميس والموازين وأخذت منحى خطيرًا لا يبشر بخير، ونتج عنه جيل يائس حائر عصبي المزاج لا مبالٍ، فقد معظم القيم والثوابت الجميلة التي أسسها ورعاها الآباء والأجداد ما عدا القليل منهم.
أمام هذه المعضلة الخطيرة فإن الأمر يتطلب دراسة هذه الظاهرة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار السريع التربوي الأخلاقي والمعرفي الثقافي!
ربما يرجع سبب هذا الحال إلى حرمان الشعب الليبي من ثروته المقدرة بمئات المليارات الحبيسة في خزائن المصارف الداخلية والخارجية، التي ذهبت مع الرياح، ولم يستفد منها عموم الشعب الليبي بشيء.
كذلك ضبابية مستقبل الشباب وعدم وجود فرص عمل تتناسب ورغبة وثقافة المواطن الليبي، ناهيك عن التوزيع غير العادل للثروة الليبية والنهب الممنهج لأموال الدولة وذلك في غياب المراقبة، أيضًا لا ننسى التدخل الإقليمي والدولي في الشؤون الليبية وأثره السلبي على المواطن كبيرًا وصغيرًا، إضافة إلى التشرذم والجهوية والقبلية والشعور بالإحباط المستمر بين عموم الشباب، هذا ولا شك أن هذه العوامل كان لها الأثر السلبي على الشباب وحتى الكبار خصوصًا خلال العقد الأخير، وسوف تستمر حالة الإحباط هذه إلى ما شاء الله ما لم يعد الليبيون إلى رشدهم وينبذوا خلافاتهم ويقدموا مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقة.
كذلك فتح أبواب الهجرة للإخوة العرب تحت مسمى ليبيا لكل العرب، وسهولة الدخول إلى البلاد، وعدم الرصد والمراقبة ساعد في استيطان العرب والإفريقيين والأجانب غير الشرعيين التراب الليبي، حيث أفرز هؤلاء الأقوام ثقافات وعادات وتقاليد دخيلة تتنافى مع قيم وأخلاق المجتمع الليبي، ومع مرور الوقت وقسوة الظروف المادية والاجتماعية تأثر الكثير من الليبيين وانجرف وراء هؤلاء الدخلاء واقتدوا بسلوكياتهم وممارساتهم السلبية، وربما كانت هذه البداية التي أدت إلى تسريع انهيار القيم والأخلاق لدى مكون عريض من الشعب الليبي.