مقالات الرأي

العدل الدولية وذر الرماد في العيون

بقلم/ عبدالمجيد قاسم

ما يبدو من تعامل دول الغرب وعلى رأسها أمريكا مع ملف القضية الفلسطينية أن هذه الدول تنظر إلى الكيان كنظرتها إلى نفسها، أي تنظر إليها على أنها جزءٌ من العالم المتحضر الذي يقابله العالم غير المتحضر، ومن ثم فإن ما تقوم به دولة الكيان من عمليات عسكرية وحشية، في نظر هذه الدول لا يعدو كونه حربًا دفاعية يقوم بها أفراد ينتمون بثقافتهم إلى كتلة العالم المتحضر حيال محيط بربري متخلف ينتمي إلى ثقافة القرون الغابرة!

أصدرت محكمة العدل الدولية يوم الجمعة 19 يوليو 2024م مجموعة من الآراء الاستشارية غير الملزمة تناقلتها وسائل الإعلام بشأن الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الأراضي التي احتلتها دولة الكيان في العام 1967م، وهذه الآراء التي تبدو صريحة في عدم شرعية الاحتلال الصهيوني لأراضي ما بعد العام 1967م، وعدم اعتراف المحكمة بأي تغيير ديموغرافي يتم على هذه الأرض بما في ذلك القدس الشرقية، وعدم شرعية ما يقوم به الكيان من توطين لرعاياه على هذه الأرض، هذه التصريحات وغيرها كيف يتم فهمها من الناحية السياسية؟ هل هي للضغط على الكيان من أجل تغيير سياساته حيال الشعب الفلسطيني، أم أنها من باب ذر الرماد في العيون، ومحاولة المحافظة على ورقة التوت التي تغطي سوأة المجتمع الدولي، خاصة أمام حالة الصمت الرسمية تجاه ما يحدث من مجازر في قطاع غزة؟

إن ما يبدو، ومن خلال تعامل دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع ملف القضية الفلسطينية أن هذه الدول تنظر إلى الكيان كنظرتها إلى نفسها، أي تنظر إليها على أنها جزءٌ من العالم المتحضر الذي يقابله العالم غير المتحضر، ومن ثم فإن ما تقوم به دولة الكيان من عمليات عسكرية وحشية، في نظر هذه الدول لا يعدو كونه حربًا دفاعية يقوم بها أفراد ينتمون بثقافتهم إلى كتلة العالم المتحضر حيال محيط بربري متخلف ينتمي إلى ثقافة القرون الغابرة!

ولأن نظرة دول الغرب تجاه دول العالم الثالث لا تخلو من عنصرية، فإن الدماء التي تسيل في غزة، والأطفال والنساء الذين يموتون تحت قصف طائرات الكيان، ودك دباباته ومجنزراته، أمور لا ثمن لها ولا قيمة لدى صناع القرار في تلك الدول، وقد زاد الأمر هذا الصمت المشين من طرف دول المنطقة، لكن فظاعة المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام من غزة واستمرار الحرب هي ما أدت إلى ظهور بعض الأصوات من هنا وهناك، وعلى استحياء، ومن باب (عيب مش هكي) التي يقولها الأب لابنه عندما يراه هو المنتصر في معركة مع غيره.

الأمر إذن غير مفرح، وغير مبشر بأي تغير في ديناميكية الصراع الفلسطيني العبري، وأقول الفلسطيني لأن العرب تخلَّوا رسميًّا عن الشعب الفلسطيني، وطلقوا القضية الفلسطينية طلاقًا باتًّا ثلاثًا لا رجعة فيه، وليس ثمة أمل سوى في الأجيال القادمة، أما حاليًا فالأمر بعيد.

وحتى ما يصرح به بعض مسؤولي دول الغرب، كبلجيكا التي صرح وزير خارجيتها بدعمه لقيام دولة فلسطينية، أو بريطانيا التي صرح وزير خارجيتها هو الآخر بدعمه لدولة فلسطين إذا سنحت الفرصة لذلك، فإن حلم قيام دولة فلسطينية هو حلم بعيد المنال أمام استحالة الأمر نتيجة التغيير الديموغرافي الذي أحدثته إسرائيل في أراضي العام 1967م، فقرابة الخمسة ملايين نسمة من اليهود تم توطينهم هناك، وفي أكثر من 24 ألف وحدة استيطانية، واليهود يرون أن هذه الأرض جزء من إرث أجدادهم، وهو ما صرح به (النتن ياهو) ردًّا على التصريحات الأخيرة الصادرة عن محكمة العدل الدولية.

كما أن قيام دولة فلسطينية يعني رجوع خمسة ملايين أو أكثر من اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي لن يسمح به الكيان لأنه يصطدم بالواقع الذي قام بفرضه على مدار عقود، فهؤلاء اللاجئون لم تعد لهم أرض تسعهم بعد أن التهم الاستيطان الأرض ومن عليها.

وهذه المعطيات ليست خافية لا على العدل الدولية، ولا على غيرها، بل هي ليست خافية حتى على صناع القرار في دول المحيط العربي، لذا فأي حديث عن دولة فلسطينية، هو من قبيل ذر الرماد في العيون، وللاستهلاك المحلي ليس إلا.

إن المضحك في الأمر ما أدلى به رياض المالكي المبعوث الخاص للرئيس الفلسطيني من تصريحات في الخصوص، فبعد أن ذكر أن محكمة العدل الدولية أكدت حق الفلسطينيين في التحرر من الاستعمار، أضاف أن على كل الدول تحمل واجباتها في عدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي لإسرائيل! برغم أن هذه السلطة ذاتها هي نتاج الاعتراف بالكيان في اتفاقية أوسلوا في العام 1993م!

زر الذهاب إلى الأعلى