يوم صُنع فيه تاريخ .. !!
بقلم/ د. مصطفى الزائدي
ثورة 23 يوليو أهم حدث في التاريخ العربي المعاصر، فلقد وضعت العرب في موقعهم الصحيح بعد قرون طويلة من محاولات إلغاء الوجود العربي والثقافة العربية إثناء عصور مظلمة من تسلط المجموعات الشعوبية التي تحكمت في المنطقة واكتملت حلاقاتها بالسيطرة التركية العنصرية على أهم أجزاء الوطن العربي، قبل أن يتمكن الاستعمار الغربي من إحتلال المنطقة بكاملها.
لقد نجح عبد الناصر في 23 يوليو في إعادة كتابة التاريخ وفتح أبواب الأمل أمام جماهير الأمة وتقديم العرب لقيادة الأمم في معاركها من آجل الإستقلال ووضع لبنات لحضارة إنسانية تقوم على المساواة بين البشر، فالتحمت معه الجماهير من المحيط إلى الخليج ومن أدغال جوبا حتى الإسكندرونة.
أطلق عبدالناصر حركة التحرر العربي في الأقاليم التي كانت ترزخ تحت الإستعمار المباشر ،تلقى قادتها الدعم المادي والمعنوي واستلهموا من مبادئ ومسيرة ثورة يوليو أساليب النضال ففي عام 1954 انطلقت الثورة الجزائرية، وبعدها ثورة تحرير جنوب اليمن والثورة الفلسطينية ثم تفجرت ثورات العراق و سوريا وليبيا واليمن والسودان، ودعمت مصر إستقلال تونس ونضال محمد الخامس في المغرب.
لكن الأهم في مسيرة ثورة يوليو ، هو الثورة الإجتماعية و مشاريع النهضة المادية الوطنية تمهيدا لقيام دولة العرب الواحدة، أثرت الثورة الإجتماعية في مصر في كامل أرجاء الوطن العربي من خلال محاربة الإقطاع ودعم التعليم ليس في مصر فقط بل في كل الوطن العربي، فيرجع الفضل الأول لجمال عبد الناصر في التعليم في شبه الجزيرة العربية والعراق والشام وليبيا والسودان والقرن الأفريقي والجزائر حيث ساهم في بناء المدارس والمعاهد والجامعات ومدها بالكتب ومستلزمات التعليم والمعلمين مجانا لعدة عقود ، و أستقبلت الجامعات المصرية الآف الطلاب العرب الذين كانوا أساس النهضة التعليمية في الوطن العربي.
كما تحولت مصر إلى قاعدة حصرية لحركات التحرر العالمي، فلها الفضل في ظهور حركة التحرر الأفريقي ضد الإستعمار وضد الميز العنصري وساندت حركات التحرر في أمريكا اللاتينية وآسيا، وزارها كل قادة حركات التحرر من كاسترو إلى جيفارا الى لومومبا ونيكروما وغيرهم.
وقادت ثورة 23 يوليو مشروعا عالميا يرفض الإستقطاب الثنائي الذي سيطر على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بمبادرة من عبد الناصر أنضم جواهر لال نبهرو وأحمد سكارنو ، وجوزيف بروز تيتو إلى فكرة بناء تيار عالمي يتبنى الحياد الإيجابي لدعم السلام والاستقرار في العالم، فعقد مؤتمر باندونج الذي تأسست خلاله حركة عدم الإنحياز المناهضة للإمبريالية و ليست منحازة للطرف الآخر من الصراع.
لكل ذلك حاول الإستعمار مرارا القضاء على ثورة يوليو لما شكلته من تهديد جدي لنفوذه في العالم، حاولوا قتلها منذ بدايتها فنفذوا العدوان الثلاثى عام 1956 لكنها بسبب صمود الشعب و حنكة القيادة تمكنت من هزيمة العدوان وتحقيق النصر وإطلاق المد التحرري القومي والعالمي ،كما دشنت حملة ضخمة للحرب الدعائية والنفسية.
في بداية الستينات تمكن الصهاينة من التمدد داخل الإدارة الأمريكية خاصة في عهد الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، ونجحوا في تطويع كلي للإدارة الأمريكية لخدمة الكيان حيث تشكل تحالف شر أمريكي أوروبي صهيوني رجعي عربي مدعوم بقوة إقليمية أهمها إيران الشاه وتركيا بقايا أتاتورك، ضد ثورة يوليو، نجح ذاك التحالف في شن عدوان 5 يونيو الذي شكل ضربة شديدة لثورة 23 يوليو في محاولة لكسرها وتحطيم الروح المعنوية لقيادتها مدعوم بخطة إعلامية تساعد أعداء الأمة من استغلالها لمقاومة حالات النهوض العربي.
بعد وفاة جمال عبدالناصر نجح نظام الردة الذي تمكن من السيطرة بدعم غربي صهيوني في التشويش على المشروع القومي والترويج للمشاريع الإستعمارية التي تلبست بغطاءات مختلفة ربما أخطرها التيارات التي تسترت بالدين.
اليوم بعد 72 عام الثورة العربية الكبرى بقيادة جمال عبد الناصر لا زالت ثورة يوليو تشكل بوصلة التحرر العربي ، من خلال مشاريع المقاومة رغم حالة الوهن التي أصابت الأمة، ولازلنا نستمع إلى صوت عبد الناصر في غزة ولبنان واليمن وسوريا وليبيا وتونس، يستلهم المناضلون منها العبر ويرون في منهجها السبيل لتحقيق النصر على أعداء الأمة وبناء دولتنا العربية الواحدة القوية المهابة.
التحية لعبدالناصر ورفاقه والقادة الثوريين الذين أتبعوا نهجه، والمجد للأمة.