عرس انتخابي مؤجل
فرج بوخروبة
عاشت ليبيا فترة طويلة من الصراع السياسي، بين القوى السياسية الليبية التي بدأت في الظهور بعد السقوط المدوي للنظام السابق كما يحلو لجماعة المعارضة وصفه تشمتًا لا إنصافًا، والتي ثبتت عدم قدرتها على تحقيق أي سيطرة على الساحة السياسية في البلاد، حيث الانفلات الأمني، وانتشار الأسلحة الفتاكة بجميع صنوفها المختلفة، ووقوعها بيد مجرمي الخطر والزنادقة، المندمجين تحت سلطات ميليشياوية، امتهنت الخطف القصري وتهجير السكان وتعذيب وقتل الأبرياء دونما رادع قانوني أو إنساني!! ثم تشكيل الأحزاب السياسية عن غير وعي سياسي حقيقي، مصاحب لتكوين نشأتها المعاقة ذهنيًّا، وظهور المؤسسات المدنية وانخراطها في العملية السياسية بعيدًا عن دورها الفعلي الذي تأسست من أجله، واندفاع القوى الإقليمية والدولية، والتدخل السافر في شؤون الدولة، ومحاولة الهيمنة على السلطة التشريعية والتنفيذية الذي أنتجتها أحداث فبراير، وما ترتب عليها من فوضى عارمة حلت محل النظام السياسي السابق.. إلا أن هناك من يرى غير ذلك، مستدلًّا بالتحول الجذري إلى مفهوم الديمقراطية الجديدة، التي ستكون لها انعكاسات إيجابية على مستوى المجتمع المدني، والسياسي، والاقتصادي في داخل البلاد وخارجها، وفي المنطقة العربية عموما.
وإذا ما أخذنا بهذا الاستدلال، واعتبرناه نموذجًا يحتذى به على أساس المبادئ والقيم الأخلاقية، التي ستقودنا إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والإنسانية، التي يجب أن نتعامل معها في حياتنا العامة والخاصة، ونمارس حقنا الانتخابي، بكل شفافية ونزاهة، ونختار من يمثلنا برلمانيًّا عبر صناديق الاقتراع، التي سوف يكون لها دور في تحقيق النتائج الإيجابية المتمثلة بالتغيير الديمقراطي، والتغيير السياسي.
هذا الحلم الذي راود كل مواطن يسعى إلى تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية والثقافية، بمفهوم جديد، ونقلة نوعية من حيث الوعي المجتمعي، وفق نظرية التطور، واللحاق بركب النهضة ما بعد الحداثة في العصر الحاضر الذي أصبح من أهم مقومات الفكر السياسي بمنظور جديد.. وبناء على ذلك فقد أصبحت التطلعات تتجه إلى ما هو قادم من أجل مستقبل واعد، باعتبارها خطوة مهمة نحو تعزيز مكانة الدولة في المجال الديمقراطي، ولكن ما نراه الآن في ظل التحديات الراهنة والمستقبلية، التي تواجهها البلاد حاليًا بسبب جائحة فيروس عباد الكراسي أو ما يسمى عبثًا بالسياسيين، التي تحولت إلى وباء خطير، يهدد مسار التنمية المستدامة، وتحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا، ويهدد بل يقف حجر عثرة في طريق الوصول إلى صناديق الاقتراع التي كانت مقررة منذ سنوات.. وصار الحلم يلازمنا في كل لحظة من لحظات الحياة السياسية، لم نيأس بعد، متعشمين في الخيرين الأوفياء من أبنائنا أن يكونوا في الموعد.
طال الانتظار حتى وصل إلى مرحلة من المعاناة، رغم الوعود المتلاحقة عند كل خطاب سياسي، أو لقاء بين أطراف الصراع، برعاية إحدى الدول.. تعلقنا بقشة الأمل كي لا نغرق، وشددنا ذيل الكلب لعلنا نتلمس سبيلنا إلى صناديق الاقتراع، ولكن يبدو أننا قد فقدنا كل شيء عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولسان حالنا هو أن هذه الانتخابات أمست بعيدة المنال، ولم يعد هناك من أمل سوى الإقرار بفشل الديمقراطية، في ظل غياب الوعي السياسي، وفي وجود حلبة صراع بين القوى السياسية مشكوك في مصداقيتها رغم غزارة الدماء التي ينزفها الغريم التقليدي، تمويهًا وخدعة للمتفرج الذي ينتظر القاضية حتى الجولة الخامسة عشرة لتنتهي المباراة محسومة بتساوي النقاط!! وحتى مباراة أخرى ننتظر الفجر.