مقالات الرأي

ديمقراطية بطعم البارود

بقلم/ عفاف الفرجاني

قبل سنتين من الآن، كانت لدي فكرة مختلفة عن الأغلبية المتحمسة للانتخابات، وفي الوقت الراهن أعيد وأؤكد أكثر أن الانتخابات ليست بالفكرة أو الأداة التي من خلالها يتحقق الاستقرار، في هذه الظروف والمعطيات التي نعيشها.

الانتخابات ستكون المعيق الأساسي في دعم الاستقرار أو حتى استقلال القرار السياسي الذي على ضوئه يؤسس للخروج من النفق المظلم، في بلادنا لو أجريت الانتخابات في هذه الظروف فهي لن تتعدى ظاهرة للانقياد الجماعي لناخبين محددين تربطهم بالمترشحين أجندات، وفي مقدمتها القبلية أو المناطقية أو الجهوية، تستظل بظل المجموعات المسلحة الجهوية أو المأجورة، ولن ينتج عن تلك العملية الانتخابية أي مصلحة وطنية.

أنا لست ضد الانتخابات كمفهوم ديمقراطي، بل ضد تشويه المفهوم نفسه، لأن هذا المفهوم صعب تحقيقه بدون بيئة مستقرة، حتى في الدول الكبرى يظل المعضلة السياسية الأولى، ولكم في الصراع الحزبي الذي تشهده أمريكا بلد وأم الديمقراطية كما يدعون، حيث الانتخابات ليس كم يسوق لها وقد تعرت مؤخرا، وسط تراشق ومكائد وصل فيها الأمر إلى تدبير عمليات الاغتيال، فما بالك اليوم بدولة يحكمها سلاح منفلت وميليشيات جاثمة على صدور المواطنين وعصابات تنهب المال العام، فكيف يستقيم أمر انتخابات وسط غياب تام للأمن، ناهيك عن غياب هيكلة الدولة ومؤسساتها من خلالها يمكن أن تقام الانتخابات، إضافة إلى وجود حكومتين تديران البلد.

إن النضج السياسي لم يخلق بعد في بلد يعيش زهاء عقد من الزمن حالة من التشرذم السياسي والتدخل الأجنبي وانتشار السلاح والفساد، عدم جدوى الانتخابات في هذا الوقت إلا إذا تم تفكيك الكيانات المسلحة ومصادرة مقارها وأسلحتها كما كان مقررًا لحكومة دبيبة فعله فور تشكيلها ليتسنى الذهاب إلى انتخابات تضمن استقرارًا أمنيًّا وسياسيًّا، وهذا هو دورها الحقيقي والوحيد الذي قامت من أجله الحكومة، وحدث العكس، الحكومة اليوم لم تنفذ واجبها وظلت تدافع عن استمراريتها في سدة الحكم وضحَّت بكل الالتزامات الأدبية والأخلاقية والوطنية أمام أبناء الشعب.

المشهد بالمنظور النفعي للبعض لو أقيمت الانتخابات كما يروج لها، ستكون هناك شخصيات جدلية لديها قواعد شعبية داعمة، ولو حدث وانتصرت في سباق الانتخابات وتغلبت على معوقات الصندوق بحكم تباين مناطق النفوذ ونجحت، السؤال هل يستطيع الفائز في هذا السباق أن يحكم ليبيا ككيان واحد؟

ولكم في الحكومة الليبية المكلفة من (مجلس النواب) وهي المؤقتة وماذا حل بها! ما بالك برئيس دولة عن طريق انتخابات كما يروج لها حرة ونزيهة!

لو حدث ودعمت القوى الخارجية هذا المسار وسط هذه الظروف، تيقنوا أن المساعي براغماتية بحتة، فالدول الغربية لا تفكر بحكومات وطنية تحقق السلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية، بل تدعم المزيد من الفوضى والعبث والانقسام لاستكمال مشروعها الاستعماري في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى