مقالات الرأي

لقاء جنيف!!

بقلم/ ناصر سعيد

لعله من المُفيد التذكير بأن أنصار النظام، وقد كانت بين أيديهم مقدرات الدولة في ذروة الأزمة عام 2011، لم يكن اللجوء للعُنف ضد من سماهم الإعلام، آنذاك، المحتجين خيارًا مطروحًا أو بديلًا للحوار والتسامي عن الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات الصارخة للقانون، ولم تكن المعركة البينية التي فرضت نفسها هي الهدف، فقد انصب جهدهم على مقاومة العدوان الخارجي لثمانية شهور متصلة، وعندما وضعت الحرب أوزارها، تركوا بلادهم بكل مُقدراتها دون أن يسجل عليهم أيُ تدميرٍ أو عبث بمقدرات البلاد، وفور خروجهم من مشهد الصراع، جرى ما جرى من تدمير ونهب لهذه المقدرات، التي تعكسها اليوم مشاهدُ المطارات المُدمرة، والمُدن المُهدمة، وانتشار المجموعات المسلحة خارج شرعية المؤسسة العسكرية والأمنية والطرق والجسور المُخرَّبة، ومنشآت النفط المحترقة، فضلًا عن نهب الثروات المالية والنقدية بشكلٍ لم يسبق له مثيل.. إلخ.

لأن أنصار النظام جاؤوا من مدرسة وطنية كانوا يؤمنون بأهمية الحلول السلمية وأولوياتها في تسوية الأزمات التي لا يصل إليها إلا من أدرك أهمية الحوار المسؤول والمنظم، وهذا ما يعكس ثقافتهم وقناعاتهم الفكرية والحرص الوطني على بلدهم وأهلهم، كل ذلك كان يصاحبه نبذ العنف ورفض حمل السلاح لأي طرف ويكون فقط بيد المؤسسات السيادية النظامية العسكرية والأمنية.

وبالرغم من وجود موانع دولية بقرارات أممية تنص على استبعاد أنصار النظام من أي عملية سياسية وبالرغم من المعاناة الشديدة، خلال السنوات الماضية، التي صوُدرت فيها أملاكهم، وحقوقهم وحرياتهم، بمقتضى قوانين جائرة إقصائية واعتقالات وسجون للقيادات الوطنية السياسية والأمنية والتهجير القسري والعزل والسياسي وتشويه التاريخ وغير ذلك، فإن ذلك لم يمنع تفاعلهم مع المبادرات الوطنية والأممية للمساهمة الإيجابية في حل الأزمة الليبية، وطرحت العديد من المقترحات والقواعد والسبل والطرق التي يمكن أن تؤدي إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وبالنتيجة الاستقرار والأمن والتوافق لأجل وحدة ليبيا وسيادتها، ودعوتهم إلى استعادة الدولة ذات السيادة والاستقلال والتحرر من العبث والفوضى والفساد والتدخل الخارجي ظلت قائمة رغم مرارة الظلم وقسوة الاضطهاد، فلم يكن هناك من سبيل في نظرهم لاستعادة بلدهم إلا بالحوار والمصالحة الوطنية الشاملة والانخراط في العمل السياسي المسؤول.

مؤخرا جاء لقاء جنيف الذي نظمه مركز الحوار الإنساني وحضره عدد من قيادات النظام السابق وممثلي عدد من الدول الغربية المعنية أو المتداخلة في الملف الليبي، والذي مكن من أن تستمع تلك الأطراف الدولية لرؤية أنصار النظام “السابق” المتضمنة تشخيص دقيقًا للحالة الليبية وطرح آليات واقعية لمعالجة الأزمة الليبية المعقدة نتيجة التدخل الخارجي الذي أسفر عن إسقاط الدولة الوطنية وتحويلها إلى دولة فاشلة انتشرت فيها الفوضى والفساد والسلاح بيد المجموعات المسلحة، حيث انصبت مخرجات وأهداف هذا اللقاء على أهمية إعادة تأسيس الدولة على أسس توافقية بين الليبيين وتمكين الليبيين بإرادتهم الحرة وبالحوار من تقرير مصيرهم واختيار النظام الذي يرتضونه بعد إعادة الأمن والسيادة والاستقرار، وهم بذلك يؤكدون على منهجهم القائم على الكفاح السلمي للوصول إلى غاياتهم، وفي مقدمتها، استعادة الوطن حُرًّا وسيدًا وديمقراطيًّا، مع قبولهم مُقدمًا باختيارات شعبهم الحرة.

مؤكدين أيضًا على أهمية دعم بناء المؤسسة السيادية العسكرية والشرطية ومؤسسات الرقابة الإدارية والمالية للقيام بدورها في تعزيز وحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب واستقرار السلم الأهلي والمجتمعي وتنظيم إدارة الموارد وترشيد الإنفاق.

زر الذهاب إلى الأعلى