الميزانية تفتح بابًا للفقر
بقلم/ ناجي إبراهيم
عنوان جانبي / لم يتضمن قانون الميزانية ضغط المصروفات غير الواجبة، ولم تشمل تقليص البعثات الدبلوماسية في الخارج التي شكلت طوال سنوات عبئا على جميع الميزانيات وساهمت بشكل كبير في هدر الأموال غير المبرر، كل تلك المعالجات لم تنطوِ عليها السياسات المالية، بل كانت جزءًا من تضخم الميزانيات بشكل مطرد، ولم تلُح في الأفق مبادرات لوضع حد لها
ميزانية بدون خطة وأهداف ستفتح أبوابًا على الفساد لن تغلق، وستذهب هدرًا كما ذهبت ميزانيات قبلها بالمليارات (صرفت في غوط الباطل)، وستكون مبررًا لإغلاق الطرق وتعطيل المنافذ والممرات وحصار المرافق العامة والخاصة، سلوك رأيناه وجربناه وأعطى أكله ملايين، جَنَته قوى محمية بقانون الغاب، ما نقوله ليس تحليلًا ولا حتى تنبؤًا قد لا يصدق، ولكنه واقع عشناه مع ميزانيات سابقة طيلة 14 سنة، من تدوير الأخطاء.
من الناحية المحاسبية الميزانية تتكون من خصوم (أبواب الصرف) وأصول (ما تحققه الدولة من إيرادات) وفقًا لنشاطاتها الاقتصادية والمالية والضريبية والرسوم الجمركية، إذا حدث خلل وعدم توازن بين الأصول والخصوم، إما أن يحدث فائض في الميزانية إذا كانت الخصوم أقل من الأصول، ويحدث العكس إذا كانت الخصوم أكبر من الأصول، كما حدث في الميزانية التي أقرها مجلس النواب الليبي للعام 2025 وبعجز كبير جدًّا.
كيف سيعالج هذا الاختلال؟ ومن أين للحكومة أن تدبر هذا المبلغ الذي يفوق ميزانية العام السابق التي صرفت بعجز أيضًا ولم يتم تحصيله حتى الآن مما سيزيد العبء على الخزانة العامة؟ لا أعتقد أن أحدًا من النواب الذين أقروا هذه الميزانية والتي قبلها طرحوا هذا السؤال، إلا إذا اعتبروا المضاربة في سعر الدولار ورفع سعره بتعلات مختلفة والتي من بينها تغطية عجز الميزانية، والتي يتحمل مسؤوليتها مجلس النواب الذي أقرها بهذا العجز المعيب، وسيكونون ملزمين بإعطاء التغطية التشريعية لمدير البنك المركزي بزيادة سعر الدولار وتخفيض سعر الدينار، دون الأخذ في الحسبان أن هذه المقاربات ستنجر عنها اختناقات أخرى اقتصادية ومعيشية كبيرة أولها ارتفاع الأسعار التي بدأت في التصاعد منذ الإعلان عن هذه الميزانية، وثانيًا تقليص قدرة المواطن على مواجهة هذه التغيرات التي ستحدث على الأسعار ومنها رغيف الخبز، وسيضطر هو الآخر إلى المطالبة برفع معاشه بما يتوافق وهذا الارتفاع الذي سيكون سريعًا وجنونيًّا، وستذهب بعض النقابات إلى الاضطرابات التي ستشل الحياة العامة الاقتصادية والخدمية المشلولة أصلًا، وستنجر عنها اضطرابات اجتماعية، لم يأخذها صاحب القرار في حساباته وهو يوافق هوى مدير المركزي الذي حُمل به من دوائر أجنبية ساهمت في وضع هذه الميزانية المعيبة لغايات وأغراض ومرامٍ يجهلها صاحب المركزي وعدد كبير من نواب البرلمان، هذا جانب، ولكنه ليس الأخطر في الموضوع.
إن ما يحدث من مبالغة في تقدير الميزانيات وبالعجز يجري في ظل وضع استثنائي ولمصلحة حكومات مؤقتة مما يعتبره بعض المراقبين وأنا منهم شرعنة للفساد في غياب رقابة حقيقية وفوضى سلاح، والأخطر من موضوع قانون الميزانية وما يرافقها من عجز لا أحد يستطيع التكهن بمصادر تغطيته ولا أحد يستطيع تحديد وآليات صرفها، والأخطر من كل المخاوف التي أبديناها هو تعميق الانقسام السياسي وربما يفتح بابًا آخر على الانقسام الجغرافي ونحن نتعايش مع أجسام فقدت شرعيتها ومبرر وجودها ولكنها تتمسك بالبقاء في المشهد، قد يقول البعض وما علاقة الانقسام بإقرار الميزانية؟
من خلال ظهور المحاصصة المناطقية في توزيع موارد الميزانية يكمن الانقسام الذي سيتعمق كما تعمقت قبله المحاصصة السياسية المناطقية المقيتة التي لن نستطيع تجاوزها بسهولة وفي القريب المنظور، ماذا لو عجزت المؤسسات المالية المحلية عن تغطية عجز الميزانية؟ ما الحلول والمصادر البديلة؟
لم يتضمن قانون الميزانية ضغط المصروفات غير الواجبة، ولم تشمل تقليص البعثات الدبلوماسية في الخارج التي شكلت طوال السنوات عبئًا على جميع الميزانيات وساهمت بشكل كبير في هدر الأموال غير المبرر، كل تلك المعالجات لم تنطوِ عليها السياسات المالية، بل كانت جزءًا من تضخم الميزانيات بشكل مطرد، ولم تلح في الأفق مبادرات لوضع حد لها، كما لم يشمل القانون الضغط على الواردات التي تستهلك مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة مما شكل ضغطًا على واردات الخزانة من العملات الأجنبية، الميزانية التي بلغت 179 مليار دينار بعجز يزيد على 100 مليار دينار يفتح بابًا على الفقر لن يسد في القريب المنظور.