إصلاح المنظومة التعليمية
بقلم/ المهدي الفهري
عنوان جانبي / إن الإصلاح التربوي من أصعب الإصلاحات لصلته الوثيقة بمنظومة القيم الوطنية والحضارية، وهو أيضًا عملية معقدة وليست سهلة، ومن الصعوبة التعامل معها بحسابات ظاهرية أو بحلول تلفيقية مؤقتة، وإن إحداث أي تغيير في هذا المجال يتطلب العمل وفق أطر معرفية بحتة، وأي محاولة خارج هذا الإطار لن تكون لها جدوى مع أهمية مسح ومحو الصورة النمطية المشوهة التي تُظهر بأن قطاع التربية والتربويين عمومًا قطاع خدماتي غير منتج وعبء على المجتمع كما يصوره البعض
تكرار الظواهر السلبية مع نهاية كل سنة دراسية ومع كل مرحلة تعليمية وتعرض المنظومة التربوية لانتقادات وإخفاقات متتالية ومتعددة ستكون له آثاره الجسيمة وانعكاساته السيئة في قدرتها على خلق وبناء جيل جديد محصن بالعلم وبالمعرفة ومتمسك بقضايا الوطن والأمة ومؤهل للمساهمة في بناء بلاده وإفراز قيادات سياسية وطنية قادرة على مجاراة الواقع والتأثير فيه إيجابًا وعلى مواجهة كل التيارات الجارفة التي تهب من الشرق ومن الغرب ومن كل صوب والتي ستترك أثرها وآثارها في تشكيل وتكوين ذهنية وثقافة هذا الجيل والأجيال التي تليه وفي مدى قدرته على التكيف والتعاطي مع المعطيات الحديثة التي صارت جزءًا أساسيًّا من الروتين المنهجي الحياتي اليومي وتتطلب تقويمًا جذريًّا للمناهج وتحسين التعليم العام ورعاية الموهوبين والحرص على صقل الجيل الجديد بتفكير جديد وعميق وحضاري وعدم الوقوع في فخ القطيعة المعرفية.
– ولكن، ولكي نكون أكثر إنصافًا وموضوعية، فإن الإخفاق في رسم التخطيط الاستراتيجي لإصلاح المنظومة التربوية لا تتحمله الأسرة التربوية وحدها، وإنما يتحمله بقية أفراد المجتمع من اتحادات ونقابات ونخب ثقافية متعددة، جميعها تتحمل المسؤوليات التاريخية والحضارية والإنسانية لإصلاح هذا القطاع الهام، لأن إصلاح هذه المنظومة مكسب وطني وقومي للجميع، ويحتاج إلى جهد وتعاون الجميع بدون استثناء، وفساد هذه المنظومة أيضًا يمس بمصالح الوطن ومصالح الجميع، ومن هنا تأتي أهمية إصلاح المنظومة التعليمية التي عادة ما تنتكس ويشوبها الكثير من التقصير، وربما يرجع ذلك إلى الافتقار للدراسة الموسعة والعميقة والقدرة على الاستشراف وإلى التمحيص الدقيق الذي يستطيع اكتشاف مواقع الخلل والعيوب وحصر وتحديد البواعث والأسباب واستشعار واستبيان السبل التي تساعد في وضع البرامج اللازمة لمعالجتها بحرفية ومهنية ووفق رؤية علمية شاملة ومعاصرة وباستخدام أفضل الأساليب والطرق الحديثة وعبر الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين وطرق تفكيرهم في هذا المجال والذين نلتقي ونتقاطع معهم في قواسم مشتركة وفي ظروف متشابهة ومماثلة لظروفنا وتمكنوا من اجتياز كل المصاعب والعراقيل وحققوا قفزات نوعية على مسار التطور المعرفي الحديث.
– امتلاك تصور شامل لإصلاح منظومة القيم المرتبطة بالمنظومة التربوية مع تشخيص الأبعاد الحقيقية اللازمة لذلك لا يقل أهمية عن إصلاح المنظومة ذاتها، ورغم أن الإصلاح التربوي من أصعب الإصلاحات لصلته الوثيقة بمنظومة القيم الوطنية والحضارية وهو أيضًا عملية معقدة وليست سهلة ومن الصعوبة التعامل معها بحسابات ظاهرية أو بحلول تلفيقية مؤقتة وإن إحداث أي تغيير في هذا المجال يتطلب العمل وفق أطر معرفية بحتة، وأي محاولة خارج هذا الإطار لن تكون لها جدوى مع أهمية مسح ومحو الصورة النمطية المشوهة التي تُظهر بأن قطاع التربية والتربويين عمومًا قطاع خدماتي غير منتج وعبء على المجتمع كما يصوره البعض وكما يظهره ويشير إليه البعض الآخر من خلال الندوات والتعليقات التي تتم مع النخب التربوية ومحاولة تغيير هذه النظرة السلبية والرجعية المتخلفة وهذا الواقع المنبوذ إلى واقع أكثر حضورًا وقبولًا وواقعية لدى الوسط الهائل من الناس ومن النخب التربوية الثقافية والإعلامية القادرة على استبدال العقليات الجامدة ونشر ثقافة الإقرار والاعتراف بالآخر، فرجال التربية والتعليم هم حجر الأساس في المجتمع وتحسين مكانة المعلم والمربي في جميع المراحل والرفع من قدراته التأهيلية والمعنوية والمادية في إطار الاستجابة للمطالب الاجتماعية سيكون لها أثرها الإيجابي الذي ينعكس على بذل المزيد من الجهد والعطاء مع المحافظة على العامل القيمي الذي يؤكد على أصالة المؤسسات التربوية ويضمن حصانتها وحمايتها من التدمير الممنهج ومن العبث والاستلاب.