مقالات الرأي

لا انتخابات!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏المتابعون للشأن السياسي الليبي والمنخرطون فيه يدركون اليوم أن فكرة الانتخابات العامة الرئاسية والنيابية في الوقت الراهن أمر بعيد المنال!

أنا من القائلين بأن الانتخابات تعقد الأزمة ولا تحلها، فالانتخابات أصلا وظيفتها تأمين الاستقرار واستدامته وليس خلقه من العدم، والانتخابات قد تمنع الأزمات وتحد من آثارها المدمرة، لكنها ليست وسيلة مناسبة لمعالجتها.

في الدول الغربية التي تتبنى منذ قرون أسلوب الانتخابات لتحقيق التداول السلمي على السلطة تواجه من حين إلى آخر صراعات مدمرة وخطيرة أثناء المراحل الانتخابية، ذلك دليل بيِّن على أن فكرة انتخابات في مجتمعات متأزمة خاضعة لتدخل خارجي ومحشوة بالسلاح غير المنظم ويسيطر على عقلها المال الفاسد لا يمكن أن تكون مطلبًا في هذه المرحلة، فالولايات المتحدة برصيدها الانتخابي العميق في التاريخ تتعرض هذه السنوات لهزات كبيرة نتيجة الانتخابات، فبعد فوز بايدن في الانتخابات الماضية هاجم أنصار ترامب الكونجرس وعبثوا به، حتى أن المراقبين تخوفوا من شرارة حرب أهلية أخذة في الاشتعال، واليوم يتكرر نفس المشهد في أمريكا، وربما بحدة أقل نشاهده في أوروبا التي يصعد فيها اليمين، فاضطرت المؤسسات الحاكمة فعليًّا إلى وضع قيود على العملية الديمقراطية لمنع اليمينيين من التفرد بالسلطة، وهذا ما شاهدناه في السابق في النمسا عندما وصل الحزب الحر إلى الحكم في التسعينيات، ونشهده اليوم في فرنسا من تحالفات بين الأعداء على موضوع واحد وهو منع اليمين من الحصول على أغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية.

‏لكن في ليبيا عدم إجراء الانتخابات لا يرتبط فقط بهذه القاعدة، بل هو قرار من الدول الغربية المتنفذة التي تسمي نفسها المجتمع الدولي لمنع إجراء الانتخابات عمليًّا، في تقديري للحيلولة دون قيام سلطة تتمتع بأي قدر من الشرعية الوطنية وأيضًا لإبقاء الحال على ما هو عليه لأنه يشكل وضعية مناسبة تمكن تلك الدول من تحقيق أهدافها الحقيقية للتدخل في ليبيا، فالهدف لم يكن أبدًا متعلقًا بدعم الديمقراطية ولا حماية حقوق الإنسان ولا حماية المدنيين، بل كان إعادة السيطرة على هذه الرقعة الجغرافية المهمة في جنوب المتوسط التي تشكل بوابة للقارة الأفريقية ونقطة ربط بين شمال المتوسط وجنوبه وبين أوروبا وأفريقيا.

فكرة الهيمنة هذه هي التي ولدت الخلافات والصراعات داخل هذا المجتمع الدولي المفترض على النفود في ليبيا، وهي سبب عرقلة إجراء الانتخابات، بالنسبة إليهم ربما تطرح الانتخابات مسألة السيادة الوطنية وتقود إلى مطالبات بوضع حد للتدخل الأجنبي، وإخراج القوات الأجنبية التابعة لتلك الدول من ليبيا، يساعد الغرب في تحقيق هذه الغايات عدد من الشخصيات التي فرضها على المشهد دون أي اعتبار للمعايير الديمقراطية والحقوقية، فلقد تمكنت تلك الشخصيات من تحقيق مكاسب مالية واجتماعية لا يمكنها في الوقت الراهن التنازل عنها، لما قد يمثله لها من إقصاء محتمل من المشهد السياسي والمجتمع، لذلك تعمل بكل ما في وسعها للحيلولة دون إجراء انتخابات، وذلك يعلل ظاهرة ديمومة المؤسسات التي نتجت بعد التدخل العسكري في 2011، المؤتمر الوطني منتهي الولاية منذ عام 2013 ما زال قائمًا ويمارس نشاطه تمامًا كما هو الحال بالنسبة إلى مجلس النواب الذي كان يفترض أن ينتهي عمله في 2018 أي قبل ست سنوات كاملة، وأي حكومة تولد تبقى حتى وإن ولدت حكومة أخرى وتتحول إلى حكومة موازية.

هذه الحال تمنع إجراء انتخابات، إذ توافقت الظروف الواقعية، حيث توحدت مصالح المجتمع الدولي الافتراضي والمجموعات المتسلطة على المشهد في عدم إجراء انتخابات مع الحقيقة الموضوعية في أن الانتخابات قد تؤدي، في حالة إجرائها، إلى نتائج أسوأ مما هو عليه الحال الآن، فقد تقود إلى التقسيم وتجدد الحروب، وقد تأتي على بقايا الوطن المهشم.

السؤال المنطقي: ما البديل؟ وأيًّا كان التحليل فلا انتخابات في الأفق، ولا إمكانية لتجاوز الواقع من خلال مبادرات دولية نتيجة للصراع الدولي والانقسام الحاد بين الدول الكبرى في مجلس الأمن، والمخاطر الحقيقية في اندلاع حرب كبرى واسعة في الإقليم أو في العالم، هذا السؤال ووفق هذه المعطيات يفرض على النخب الليبية الوطنية التي تسعى بجدية إلى إعادة بناء الدولة واستعادة الوطن أن تفكر خارج الصندوق، وأن تبعد عن فكرة الشخص المنقذ، وأن تبني مخططاتها على أهمية العمل الجماعي المؤسساتي لاستعادة الدولة، وأن تضع نصب عينها أننا نحتاج إلى عملية تحرر وطني تتطلب مؤسسة عسكرية وطنية قادرة على قيادة كفاح شامل من أجل التحرير.

زر الذهاب إلى الأعلى