مقالات الرأي

مجازر غزة والتحليلات السياسية

بقلم/ موسى الأشخم

منذ ما يقرب من العام والآلة العسكرية الصهيونية مدعومة من نخب الغرب وحكوماته الإمبريالية تدفن الفلسطينيين في غزة أحياء تحت الأنقاض، والمحللون السياسيون العرب تتراوح تحليلاتهم بين من يجرّم مقاومة الاحتلال، ويتهم المقاومين بأنهم من جنى على أهل غزة، وبين من يعتبر أننا على بعد خطوات قليلة من تفكيك الكيان الصهيوني، وأنه قد تلقى هزيمة نكراء، وأنه لم يحقق أيًّا من أهدافه في غزة.

غير أن الحقيقة تظل بعيدة عن تحليلات الطرفين؛ فلا صحة للقول بأن أفعال المقاومة هي المسؤولة عن قتل أهل غزة. ولو صدقت لكان علي بن أبي طالب وشيعته من قتلوا عمار الذي وظفت شيعة علي قتله من قبل جند معاوية لتقول بأن شيعة معاوية هي الفئة الباغية، استنادًا إلى رواية نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول بأنه أي عمار ستقتله الفئة الباغية، فرد داهية العرب معاوية بأن القاتل الحقيقي لعمار هو من جنَّده ودفعه إلى قتال شيعة معاوية.

أما الذين أسرفوا في التفاؤل فقد فاتهم أن الأهداف الحقيقية للصهاينة غير معلنة، وأن الأهداف المعلنة هي مجرد ذرائع للوصول إلى الأهداف غير المعلنة؛ والمتمثلة في إقناع أهل غزة بأن لا خيار لهم سوى الموت تحت الأنقاض أو الموت جوعًا، أو النزوح إلى خارج غزة.

والقول بأن إسرائيل تهدف إلى القضاء على حماس أو حتى القضاء على قياداتها ليس هدفًا آنيًّا وإن كان هدفًا مؤجلًا؛ ذلك أنه لو تم القضاء على حماس لفقد العدو الإسرائيلي إحدى أهم الذرائع لاستمرار المجازر في غزة. وحتى خيار عودة الأسرى الصهاينة إلى أهلهم ليس هدفًا آنيًّا للصهاينة بل هو هدف مؤجل؛ ذلك أن عودة الأسرى تسحب من الصهاينة إحدى أهم الذرائع لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة. وكذلك القول بأن نتنياهو يرمي إلى تمديد القتال في غزة لأسباب شخصية ليتمكن من الاستمرار في الحكم قول تنقصه الدقة، نعم قد يكون أحد الأهداف غير المعلنة لنتنياهو هو إطالة أمد حكمه، وإبعاد شبح السجن عنه في قضايا الفساد التي تطوقه، لكنه ما كان يمكنه إقناع شعبه ولا النخب الصهيونية بهذا الهدف إلا من خلال إقناعهم بأن إطالة أمد المجازر والتجويع يرمي إلى إقناع أهل غزة باستحالة الحياة فيها.

لقد وجد الصهاينة في عملية طوفان الأقصى ذريعة مناسبة لتكرار سيناريو نكبة 1948م التي تعتمد المجازر التي لا تتوقف لإقناع الفلسطينيين باستحالة البقاء في أرضهم، كما وجد الأمريكيون في تدمير برجي التجارة في 11 – 9 – 2000م ذريعة لغزو أفغانستان والعراق، وتنفيذ مشروعات عبء الرجل الأبيض لنشر الديمقراطية، التي انتهت إلى إشعال حروب أهلية وطائفية في خمسة بلدان عربية والحبل على الجرار. ولا نستبعد أن تكون النخب الحاكمة في إسرائيل قد غضت الطرف عن عملية طوفان الأقصى، ولم تدع الجيش الإسرائيلي يتقدم لينجد فرقة غزة يوم 7 أكتوبر، لتحاكي سيناريو خليج هاربور، وسيناريو برجي التجارة الذي يقتضي مراقبة العدو وهو يقتل ويدمر دون حراك جدي لمقاومته، وذلك لتبرير سيناريوهات ما كانت لتكون سائغة قبل ذلك، كتوجيه ضربه نووية لليابان، أو احتلال بلدين مستقلين وعضوين في الأمم المتحدة دون أسباب وجيهة حتى لقصفهما ناهيك عن احتلالهما.

واستنادًا إلى ذلك ألاحظ في تقديري لمبادرات وقف إطلاق النار في غزة، في ظل حرص الصهاينة على هذا الهدف غير المعلن، والرامي إلى إقناع الفلسطينيين بأنه لا خيار لهم سوى النزوح إلى خارج القطاع أو القبر، رغم استخدام تلك المبادرات لتسكين الرأي العام العالمي المستنكر للإبادة الجماعية لأهل غزة، سيمارس الصهاينة في قادم الأيام نفس سيناريو الأخ الأكبر الأمريكي في العراق الذي قتل مليون عراقي بذريعة تعقب صنيعتهم الزرقاوي. ومن ثم فالسيناريو الصهيوني القادم سيكون ارتكاب المزيد من المجازر، تارة بذريعة استهداف السنوار، وأخرى بذريعة استهداف محمد الضيف، وطورًا باستهداف غيرهم من قادة المقاومة الفلسطينية.

والتفسير النفسي لهذه التحليلات العربية المتفائلة لقرب نهاية إسرائيل، والتي مع ذلك نتمنى أن تصدق، مبعثها في تقديري البحث عن ضوء في آخر نفق الهزائم الاقتصادية والسياسية والعسكرية والحضارية للعرب، ومع ذلك لا يفوتنا الوقوف بإجلال أمام فاعلية وصمود المقاومة الفلسطينية، وصبر ومكابدة أهل غزة الذين يقاومون بالدم واللحم والأمعاء الخاوية آلة القتل الصهيونية، بدعم غربي لا منتاهٍ وتخاذل عربي وإسلامي غير مسبوق، باستثناءات قليلة من منظمات مسلحة غير حكومية في جنوب لبنان واليمن والعراق تستحق منا كل إجلال وتقدير، في ظل نظام رسمي عربي قلبه مع غزة وسيفه مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى