مقالات الرأي

آفات العمل الوطني!!

بقلم/ ناصر سعيد

ندرك أن الطريق شاقٌّ، والمعركة من أجل الوطن أطول من أن يحسمها بيانٌ أو تصريحٌ أو إدراج، وإدراكنا هذا ينبع من اقتناع أصيل لدينا بحق الاختلاف الذي نراه ظاهرة طبيعية ما دام غير مقترن بالكراهية والتخوين، بما يؤدي إلى الدخول في دوامة الاتهامات المتبادلة، فلا داعي للمزايدة بالشعارات والمناورة بها، ولا فائدة ترجى من تأجيج العداوات، وبثِّ مشاعر عدم الثقة والتوجس والحيطة المبالغ فيها.. ولا مصلحة لأحد بتأزم وإثارة الخلافات، ولن يصل بنا كل ذلك إلى شيء، فنحن لا نريد للبعض أن يشاركونا إيماننا وقناعاتنا، بل أن يشاطرونا مخاوفنا على الوطن الذي بدأ ينزلق نحو العتمة والمجهول ولنتكاتف جميعا ونتجاوز الأزمة ونتصدى للضعف واليأس والإحباط، ونشجع الناس على الصبر واستعادة روح المبادرة، وزيادة مساحة الأمل والثقة بالنفس لشعبنا الصامد، والتأكيد على أن القوة الحقيقية تكمن في أصل الأفكار والأهداف ومدى وضوحها ونضجها وعقلانيتها وانسجامها مع رغبات الشعب وقدرتها على الاندفاع نحو المستقبل.

إن القوى الوطنية الليبية المنظَّمة والمؤسَّسة على ضرورات وأهداف واجبة لا تنظر إلى الساحة النضالية كساحة تنتظر من يملؤها أو أنها أتت من باب الترف، إنما استجابة موضوعية واستحقاق حاكم لا غنى عنه، وضرورة لا يمكن لأحد أن يستمر في تجاهلها والتغافل عنها، وحاجة ماسة في هذه المرحلة العصيبة لتشكيل وعي عميق في فهم منحنى تطور تجربة النضال، ومحاولة جادة ورصينة لإنجاز مشروع حركة تحرر وطني واضح المعالم يحظى بقبول الجميع، ركيزته الإرث التاريخي والنضالي لشعبنا، ويراعي الموروث الثقافي والفكري المميز لهويتنا الوطنية برؤية سياسية قوية عميقة تجاه قضايا الوطن والإنسان الليبي، وفهم استراتيجي واسع للأحداث، واستيعاب دقيق للتوازن ما بين قوة الأمر الواقع وقوة الحق.

إننا مدركون تمام الإدراك أن المساحة المُتاحة ضيقة، لكنها تحوي زخمًا لا حدود له من العمل الإيجابي والخلاق بفعل صفات الصدق والحماسة والوفاء التي تميز الفاعلين فيها وحبهم لوطنهم وشعبهم وتاريخهم.

إن الحركة الوطنية تتفهم وتدرك هواجس من انتقدها وهاجمها أو تحفَّظ عليها ومن يشكُّون في حقيقة دوافعها، وتتوجه إليهم بدافع الأخوة، وتتفاعل معهم ومع آرائهم المستقلة أو التي تختلف معها في الحدِّ الأدنى، فواجبها نحوهم الحوار البنَّاء المستمر ومحاولات الإقناع من خلال مناقشة الأفكار المحفزة للتغيير الإيجابي نحو الأفضل والأمثل، تعكس الإرادة الشعبية.

سيكون كل هذا بعيدًا عن الذين انتكسوا ولم يعودوا يؤمنون بالعمل الجماعي وبفلسفة الجماعية في التفكير والتنفيذ، ويتنكرون وينكرون بتعمد هدام لوجود أي قواعد وأطر للعمل الوطني وينسفون مراحل هامة من العمل والنضال، لا لشيء إلا لأنها ظلت تتخذ من الوطن بوصلة وتعتبر الشعب وحده مصدر الشرعية ومصدر السلطات، فمحاولة قولبة العمل الوطني على مقاس وحدود الفهم البيولوجي لعلاقة الوطن بالسلطة تعكس مزاجية الإرث الافتراضي للسلطة وامتداداتها وأوهامها، أو وفقًا لفهم من ذهبوا ركضًا وراء عبث هيئة الأمم المتحدة وحوار كمسرح العرائس يسيل له لعاب الكثير من الطامعين بالحل من نفس الإطارات التي صنعت الأزمة وتديرها بنفسها وتمنح بعض الكومبارس السياسي بعض الأدوار الهشة كنوع من الزخارف الديمقراطية في إطار لعبة التدجيل والتدليس على الشعب الليبي.. فالعمل الوطني أوسع من إدراك الحالمين بالكراسي والمصابين بالأنا السياسية القاصرة عن فَهْم دروب ومجرى التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى