مقالات الرأي

بين الوعي الاستراتيجي.. وبين الواقع

 المهدي الفهري

عنوان جانبي / السلوك الدولي المنحرف والمتهور أصبح يقابل اليوم بتحول نوعي وضغوط كبيرة رافضة للاستسلام لهذا الواقع الظالم والخضوع لسياسات التطويع القسري كما يجري لبعض الدول، وفق رغبات وإرادات وتهديدات الكبار مما يحتم على المثقفين والمناصرين لقضايا الحق والعدل والمساواة في كل مكان استغلال فرص التعاطف الدولي للانتصار للحرية وللحقيقة وللعدالة الاجتماعية لكافة الشعوب المظلومة

الهدف الرئيس الذي يكمن وراء الكتابة ليس تتبع الآخرين والحجز على أفكارهم أو إجبارهم على اتباع طريقتنا والخضوع لأفكارنا، بل لكلٍّ وجهة هو موليها، وإنما الغاية تحرير فكر الإنسان ومواكبة المتغيرات والتطورات وانعكاساتها علينا للتخفيف من تبعاتها أمام واقع متغير ومتبدل يحاول صياغة وتشكيل ذاته من جديد كميزان للتطور والتموضع السياسي في المنطقة، ولا نستطيع أن نكون بمعزل عنه ومن باب إعادة الوعي ورفع المنسوب المعرفي للكثير من القضايا الهامة وتتبع ورصد السلبيات ونقلها في إطار النقد الموضوعي والبحث عن وسائل وفرص لتقييمها وتقويمها ومعالجتها، والغرض من ذلك كله هو تقديم هذا الكم الكبير من المعلومات للاطلاع ولإفادة القارئ والمتلقي من خلال الحصول على المعلومة الصحيحة، مع حرصنا الدائم على تلافي وتفادي الكتابة بغرضية أو عنصرية أو أن تكون كتاباتنا مجرد ادعاء باطل خارج عن الدقة، ونحن نستمد معلوماتنا ووثائقنا من مصادرها الحقيقية سواء أكانت وثائق أم تقارير أم منظومات، وهي أقرب إلى الصحة والصواب من أي مصدر آخر في محاولة لصنع رأي عام محلي ودولي ناقد ونافذ وشامل وله حس جماعي مُوثر وفاعل ولا يجمعه نسق أيديولوجي واحد، وعادة ما يكون أكثر فاعلية على المستوى المجتمعي وليس على مستوى النخب السياسية الحاكمة، وقد يعوزه التنظيم في بعض الأحيان، خاصة وهو يأتي في مرحلة فاصلة وغير معهودة ووسط تحول كبير صار فيه للكلمة قيمة ومعنى، وصرنا نرى ونرصد تحولات كبيرة في هذا السياق على امتداد الساحات العالمية وهي تتحدث بلغة ونبرة جديدة وبدعم قاعدي وشعبي غير مسبوق للقضايا العادلة والساخنة والمزمنة مما أحدث تحولًا كبيرًا وإستراتيجيا في الوعي وفي الرؤى، وحقق خطى مهمة تستحق التشجيع والإشادة رغم أنها قد تواجه أحيانًا ببعض المعيقات الواقعية ويتغلب فيها نازع الولاء المصلحي على موضوعية الموضوع.

ونحن ندرك أن الكثير من القرارات العادلة قد تراوح أمام مصالح الدول الكبرى كما حصل أخيرًا أمام المحاكم الدولية، فأغلب الموجودين على المشهد السياسي يعيشون على الجنون العقلي أو جنون العظمة ويقبعون خلف الشرعية الأخلاقية وما يجري من تجميد وتحييد للصراعات وليس لإنهائها مما خلق هوة وفجوة كبيرة من الصعب ردمها ورتقها بسهولة، وفي ظل عالم غاب فيه عمليًّا ما يسمى المجتمع الدولي النزيه وحادت فيه المؤسسات الدولية عن الحيادية التي يمكن الاعتماد عليها والرجوع إليها عند الحاجة لإنصاف المظلومين ونحن نشاهد ونشهد عالمًا لا إنسانيًّا فاقدًا لجوهره وهو يتدحرج سريعًا نحو الأسوأ سلوكيًّا وأخلاقيًّا وبكل المقاييس ومجرد من أي رادع أخلاقي أو قانوني يلزمه احترام القوانين الدولية والإنسانية والالتزام بتنفيذها ويعاني من أزمات بنيوية عادة ما يتم تكرارها وتكرار نتائجها مع كل مرحلة.

والشواهد على ذلك لا تحتاج إلى دليل رغم أن ذلك السلوك الدولي المنحرف والمتهور أصبح يقابل اليوم بتحول نوعي وضغوط كبيرة رافضة للاستسلام لهذا الواقع الظالم والخضوع لسياسات التطويع القسري كما يجري لبعض الدول وفق رغبات وإرادات وتهديدات الكبار مما يحتم على المثقفين والمناصرين لقضايا الحق والعدل والمساواة في كل مكان استغلال فرص التعاطف الدولي للانتصار للحرية وللحقيقة وللعدالة الاجتماعية لكافة الشعوب المظلومة وللمصارحة والمجاهرة بالواقع السيئ بعد أن سقطت الرهانات المغرضة باسم الدفاع عن النفس وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ما يتطلب الوحدة والتآزر والتلاحم والتواصل مع الشعوب والمنظمات وتشكيل جبهة ثقافية عريضة وتحالف سلمي للتنسيق مع القوى السياسية التي تنتمي إلى نفس الثقافة وتحمل طرق تفكير متشابهة لتحويل الشأن الثقافي إلى الواجهة وتبني ونصرة القضايا العادلة في العالم، وهي مهمة ورسالة المثقفين الأولى مع محاولة ربط الوعي بالإستراتيجية ومضاعفة الجهد للوصول إلى مرحلة متقدمة من التفكير والوعي الاستراتيجي.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى