مقالات الرأي

هُبل اليميني واللات اليساري

ناجي إبراهيم

أسبوع حافل ومزدحم بالسباقات الانتخابية مصحوبة بصخب إعلامي واستطلاعات رأي أظهرت نتائج سابقة لصناديق الاقتراع وبعضها وجد ترجمته في الصندوق وجاءت النتائج كما هي نوايا الناخبين وفق ما صرحت به مراكز سبر الآراء، التي تسبق الانتخابات باستطلاعات تقول إنها محايدة وشفافة لقياس الرأي العام وميوله ونواياه، كل تلك الإجراءات التي تسبق وتصاحب عمليات الاقتراع، وأدواتها الإعلامية والترويجية، لم تتمخض عنها مشاركة شعبية واسعة، تعكس شرعية لأي سلطة منتخبة، وتدني المشاركة الشعبية يضرب مشروعيتها، ويفسر فيما بعد المعارضة التي تواجهها هذه الحكومات في الشوارع، والتي شهدناها في الأيام الماضية تحتج على قرارات الحكومات الغربية الداعمة لإبادة الشعب الفلسطيني.

ما لم تفهمه النخب السياسية أن المشكلة ليست في تبديل الوجوه والتوجهات السياسية والبرامج الانتخابية والوعود المصاحبة، بل إن الأمر يتعلق بالنظام السياسي برمته الذي يقصي الغالبية العظمي من الشعب من المشاركة في تقرير مصيره.

السؤال المهم الذي لم تطرحه النخب السياسية هو لماذا العزوف عن المشاركة في عملية الانتخابات يتزايد بشكل مطرد؟ وهل يوجد نظام سياسي يسمح بمشاركة أوسع من تلك التي نشهدها؟

ولم تتصدر هذه الأسئلة عمليات سبر الآراء، ولم تدرك هذه النخب أن المشكلة لا ترتبط بمقاربات الأحزاب للدفع بعجلة التنمية وخلق فرص عمل وتخفيض الضرائب والتي في الغالب تخدم الطبقة الرأسمالية وتضاعف معاناة الطبقات الفقيرة والمعوزة، وجميعها حاجات ومطالب تتبناها الشعوب، ولكن لا أحد تعامل معها بشكل جذري ليتم استخدامها كوعود انتخابية ترحل من زمن انتخابي إلى آخر، ولن تتوقف النخب عن تقديم الوعود، وستواصل الشعوب مقاطعتها للعملية السياسية ما لم نصل إلى نظام سياسي يوفر آلية حقيقية تمكن الشعوب من الممارسة الفعلية للقرار وأن تتعدى هذه الآلية اختيار الشعب لحكومة تنوب عنه في تقرير مصيره.

ما لم تصل الشعوب بكاملها إلى موقع القرار فسنشهد الصراع بين أحزاب وكيانات يمينية وأكتر يمنية ومتطرفة وأكثر تطرفا وستسمر هذه العملية في إنتاج حكام يذهبون بالعالم إلى حافة الهاوية من أجل مكاسب وأمجاد شخصية قد تكلف البشرية خسائر مادية وبشرية تفوق ما دفعته الشعوب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وما بينهما وما بعدهما.

الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي في فرنسا وبريطانيا قدمت لنا صورتين مختلفتين، صعود كاسح لليمين في فرنسا وفوز كبير وغير مسبوق لليسار في بريطانيا.

لا الصورة الأولى تعبر عن توجه يميني ولا الثانية تعكس تحولًا لليسار، بل بين محدودية الخيارات أمام الناخب، البضاعة المطروحة هي من حدد مسار الانتخابات، والخيار كان بين بضاعة مجربة وبضاعة يجب تجربتها، إذا ما علمنا أن بريطانيا حكمها اليمين المتمثل في حزب المحافظين أكثر من 14 عامًا وفشل في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع البريطاني، بل راكمها من خلال سياسات يمينية تخدم الطبقة الرأسمالية والتي لن تجد حلولًا في ظل حكومة العمال القادمة للتو إلى (داوونج ستريت)، وأيضًا فرنسا جربت التيارات المعادية لليمين عشرات السنين والذي لم ينجح في تقديم حلول للمشاكل التي تعصف بالمجتمع الفرنسي، وذلك ما دفع الناخب الفرنسي للذهاب نحو اليمين الذي سيفشل في طرح أي حلول ستضر بمصالح الطبقة الرأسمالية.

لا حلول سحرية وما يجري هو فقط تكرار للفشل، وإدامة لسياسات جربت ولم تعرف حلولًا في ظل مجتمعات طبقية، الغلبة فيها لرأس المال، الطبقة الرأسمالية لن تسمح بإنتاج نظام يقصيها من مراكز السلطة والقرار، والتي تمظهرت في أحزاب يمينية ويسارية تعبر عنها وتحمي امتيازاتها وتفتح لها الأسواق في الداخل والخارج.. إذا لم يتم تغيير النظام السياسي والاقتصادي برمته فلن نشهد تغييرًا في النتائج، وسنظل نسير في نفس الدائرة، ويبقى المواطن خارجها ولن يتمكن من الدخول للصندوق، وسيجد نفسه رقمًا ضمن قائمة تطول وتقصر وفقًا لحجم المشاركة، وينتهي دوره بزجاجة الحبر، ولا يجب التعويل على النخب المستفيدة من هذا النظام أن تكون سببًا في الخروج منه ويتحالف في ذلك اليمن مع اليسار.. لا هُبل اليميني ولا اللات اليساري سيبرح مكانه إلا بسواعد أصحاب الحق، وهم يعلنون (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا) حتى تحين هذه اللحظة سيستمر العالم يتقلب بين اليمين واليسار الرأسماليين.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى