مقالات الرأي

ميزانية تحت الوصاية

بقلم/ عثمان يونس

استفزتني صورة مذلة منذ يومين وأنا أطالع ما تجود به مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار، تلك الصورة التي كانت مقرونة بخبر يوحي بإذلال أكثر وضياع للهيبة أدهى وأمر، كان بطلها المدعو الصديق الكبير، تلك الشخصية التي فرضها واقع الضعف والهوان ليكون على سدة السياسة النقدية في بلد أصبح رهينة للوصاية الخارجية، يتوسل هو وغيره من ساسة عصر الانحطاط والمهازل على مكاتب المندوبين الساميين للدول صاحبة النفوذ في الشأن الداخلي لكي ينالوا الرضا عن أدائهم ويتفننون في التوسل لاعتماد ما ينفقونه من فتات من رزق الشعب على هذا الشعب، وما يكتنزونه من أموال طائلة من قوت الشعب لزيادة ثرواتهم وشراء الذمم لإطالة أعمارهم على كراسي السلطة.

نص الخبر أن “الكبير يبحث مع مستشار الرئيس الفرنسي اعتماد الميزانية الموحدة!، فما علاقة فرنسا بميزانية ليبيا إلا إذا كانت تحت الوصاية الفرنسية! بل وما علاقة الكبير أصلا بالميزانية العامة في ليبيا إلا إذا كان رئيسا للدولة ونحن لا علم لنا! فالميزانية العامة يفترض أن تتولاها وزارة المالية، وهي من لها صلاحيات إعدادها وتحديد حجم الإنفاق منها وتحديد مصادر تمويلها ومن ثم إحالتها للجهة التشريعية لاعتمادها.

درجت الحكومات في ليبيا منذ سقوط النظام الوطني بفعل طائرات حلف الناتو في العام 2011، على التسول والتملق لدول الغرب حتى تكسب رضاها وتمكنها من مقدرات الليبيين، فقدمت التنازلات وراء التنازلات، وفرطت في سيادة البلاد، واستباحت أراضيها ومياهها وأجواءها للطامعين في خيراتها والهادفين لأن تكون قاعدة أمامية للدفاع عن مصالحها في المنطقة دون أي ثمن سوى أن تضمن بقاءها في الحكم وتستمر في نهب أموال الشعب ضاربة بعرض الحائط رغبة الليبيين في أن تكون لهم حكومة منتخبة تضع نصب اهتماماتها مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول.

إن الحكومات التي ترتضي كل هذه التنازلات وكل هذا الهوان لا يضيرها أن تتنازل عن حقها في تحديد مواردها والتصرف في أموالها، ولن يكون صعبًا عليها أن تطلب رضا أسيادها من الغرب وغيرهم ممن كانوا سببًا فيما وصلنا إليه لاعتماد مخصصاتهم إيذانًا بمباركة سرقاتهم وتضخيم ثرواتهم بعيدًا عن القنوات الشرعية التي يفترض أن تتولى هذا الأمر، وأصدق دليل على ذلك ما تجود به إدارة المصرف المركزي بين حين وحين – ليس من باب المهنية والوطنية إنما من باب تعرية الخصوم- عن حجم السرقات (أقصد الإنفاق) للمجالس التي لا (عازة لها) والتي يصدق فيها قول القائل (صدق وهو الكذوب)، حيث ذكر آخر تقرير لحجم الإنفاق أن المجالس الأربعة أنفقت خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي ما يزيد على 1.7 مليار د.ل جلها على المهام والطائرات الخاصة والسيارات والإنفاق غير المبرر الذي سيؤول في نهاية الأمر لجيوب ساسة الصدفة وحساباتهم في تركيا والأردن ودبي، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من الحصول على لقمة العيش مع تضخم الفجوة بين الليبيين (بين الكادحين والسُراق- بين المضطهدين والحُذاق) التي كانت لا تذكر قبل عقد من الزمان.

هكذا هو الأمر في ليبيا اليوم إخفاقات بالجملة وتقاطع للصلاحيات وتضارب في المصالح ومليارات تصرف في غياب الرقيب، بل إن هؤلاء الساسة يديرون الدولة منذ ما يزيد على العقد من الزمان في غياب قانون للميزانية ينظم الإنفاق ويحدد آلياته والأساليب القانونية لمعالجة أي طارئ أثناء التنفيذ، ويبقى الاعتماد فقط على موافقة ورضا صاحب الأمر، وهم سفراء الدول صاحبة الوصاية على أموالنا وأرزاقنا، فمنهم الرضا والقبول، أما رأي الشعب وقوانينه فلا معنى ولا شرعية لها في وجود شرعية الفوضى وحكومات الوصاية والانتداب.

زر الذهاب إلى الأعلى