مقالات الرأي

الجهل العدو الأكبر

عبد المجيد قاسم

الجهل مرادف لكلمة (غشم) في التعبير الدارج، وليس مرادفًا لكلمة أمية، فالجاهل غشيم وليس أميًّا، فالشخص الأمي لا يمكن وصفه بالجاهل إلا إذا كان غشيمًا. وقد تجد شخصًا متعلمًا لكنه جاهل، أي غشيم، وربما يبحر به الغشم، أي الجهل، في لجة التفاهة والسطحية، فيكون غشيمًا وتافهًا، وهؤلاء باتوا كثرًا، بل باتوا هم السواد الأعظم. 

والجهل له علامات، أولها الأنانية المفرطة، التي تقود صاحبها إلى عد الباطل حقًّا طالما له مصلحة في ذلك، فالجاهل تقوده مصلحته، وتقوده غريزته، ولا يرى سواهما، فهو لا يختلف عن البهائم في هذا الأمر، بل هو أضل، وهذه الأنانية قد تنعكس إيجابًا على صاحبها، لأنها تبرر له الوسائل للوصول إلى مبتغاه، لذا فلا غرو في أن تجد الجاهلين أكثر حظًّا من غيرهم، وقديمًا قال المتنبي: ذو العقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ.. وأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ. 

كما أن الجاهل لا يعي ما هو فيه من تناقض، ولا يضيره، ولا يسبب له وخزًا من ضمير بأي حال، لذا فقد تراه سارقًا للمال العام، أو منتحلًا للشهادات العلمية، ومع ذلك لا تسبقه إلى الصف الأول في المسجد، ولا تستطيع أن تجاريه في صيام ولا قيام. 

ومن علامات الجهل الجدال، فالجاهل يجادل في كل صغيرة وكبيرة، وكأن شعاره أنا أجادل إذن أنا موجود، ولا يمكن أن تظفر معه بنتيجة، لأنه باختصار لا يعي قواعد المنطق، ولا سبيل لإسكاته سوى بإنهاء الحديث معه بأي صورة، ولو بالتسليم برأيه السديد! فالجاهل يرى اختلاف وجهة النظر معركة ينبغي أن يخرج منها منتصرًا، لذا فهو يرمي خصمه في النقاش أولًا بعدم الفهم، ويراها ضربة تحت الحزام ليفقد خصمه توازنه، ثم يبدأ في سرد ما عنده من حجج، ليتفاجأ خصمه أنه يتحدث في موضوع آخر غير موضوع الخلاف! ولأن صوت الجاهل دائمًا مرتفع، فسيضطر مناظره إلى الاستماع فقط، وربما الابتسام، وسيضطر إلى إنهاء الحديث والانسحاب من النقاش العقيم، ليخرج الجاهل منتصرًا وقد ازداد جهلًا، فيصبح مع الوقت جاهلًا جهلًا مركبًا لا علاج له. 

وللجهل عواقب وخيمة، وهو سبب لدمار الأسر، والمجتمعات، بل والدول، لأن الجاهل قد يعتلي سدة الأمر والنهي، وقد يتحصل على أعلى الدرجات العلمية، ويكون ذلك سببًا في جهله المركب، فتسير المركب التي يقودها عكس التيار لتنتهي بركابها إلى القاع. 

كما أن معظم حالات الطلاق سببها الجهل الذي هو مرادف للغشم كما أسلفنا، وإذا انتقلنا إلى مستوى أعلى فإن كل الحروب على البسيطة سببها الرئيس الجهل، فالجاهل من أبرز صفاته الكبر، فإذا اعتلى سدة الحكم فسيقوده جهله وكبره إلى الصدام مع الغير، بدءًا بشعبه، ثم محيطه، وقد يبز في بلده من هو أجهل منه لتنقدح شرارة الحرب الأهلية والدمار والخراب والتشريد، دون أن يكون ثمة أمل للعودة، فالجاهل يرى الأمور بمنظورٍ يختلف عما تراه بها العقول السليمة. 

والجهل سبب للغلو والتطرف الديني، فمشركو قريش مارسوا الغلو والتطرف ضد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما حاولوا منعه من عرض الحقيقة التي تفند ما هم عليه من عقيدة، فهم كانوا -بالمفهوم المعاصر- راديكاليين، تمسكوا بالأصولية ضد التجديد والتصحيح، وقد كان موقفهم نتيجةً حتميةً للجهل الذي كان يطبع عقولهم، لذا أطلق النبي وصف أبي جهل على عمرو بن هشام، ذلك الزعيم القرشي الذي كان يلقب في قومه بأبي الحكم. 

الجهل إذن هو العدو الأكبر، وهو الداء العضال الذي ليس له علاج، فالحماقة أعيت من يداويها، وهو مرتبط بعوامل كثيرة، منها البيئة، والموروث، والتربية، وطرق التعليم، والأمر يحتاج إلى حملة قومية لمحو الجهل، كتلك التي تشنها الدولة على الأوبئة والآفات، حملة قومية تشترك فيها المراكز البحثية والمؤسسات ذات العلاقة شريطة أن يخضع القائمون على هذه الحملة لاختبار كشف الجهل، وإلا فلن يزيدوا الطين إلا بلة. 

زر الذهاب إلى الأعلى