مقالات الرأي

تسونامي غزة!

بقلم/ مصطفى الزائدي

بدأت آثار الارتدادات الكبرى للعدوان الوحشي على غزة تجتاح العالم في شكل تسونامي ضرب القارة الأوروبية العجوز والولايات المتحدة الداعم والمحرض للكيان الصهيوني لارتكاب الجرائم وفعل ما يفعله من إبادة وحشية لم يسبق لها مثيل في التاريخ في غزة.

لم تكن الشرارة فقط انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية المطالبة بقطع علاقات جامعاتهم مع دولة الكيان بعد أن تيقنوا أن الكيان يستخدم أبحاث الطلاب ودراساتهم في مشروعات حربية لمصلحة العدوان على شعب أعزل، ويستغل الجامعات للترويج للدعاية الصهيونية الكاذبة، بل كانت شرارتها الأولى في خروج بعض الحكومات الأوروبية من بيت الطاعة الصهيوني الأمريكي ورفضها العلني للعدوان على غزة، كما فعلت حكومة أيرلندا، وإعلان حكومات أخرى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، ثم تطورت هذه الارتدادات ووصلت إلى الدول الأوروبية المتعنتة التي تقف مع دولة الكيان بلا حدود ولا ضوابط لا قانونية ولا أخلاقية وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأعطت انتخابات البرلمان الأوروبي مؤشرًا لحجم التأثير الذي أحدثه زلزال غزة وصمود المقاومة الفلسطينية على الرأي العام العالمي، حيث اجتاح اليمين المعارض للصهيونية والمعارض للتبعية العمياء لأمريكا الانتخابات وسيطر على أغلب مقاعد البرلمان الأوروبي، واضطرت الدول الأوروبية إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة نجح فيها المعارضون للحرب والدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني، فنجح اليمين الفرنسي بقوة، وهو من أشد المعارضين لسياسات الكيان الصهيوني والرافضين للتبعية لأمريكا المطالبين باستقلال القرار الفرنسي، ونجح اليسار في بريطانيا، وسقطت حكومة المحافظين التي سخرت كل إمكانات بريطانيا لخدمة العدوان الصهيوني.

فوز اليمين في مكان واليسار في مكان آخر في أوروبا لا يعكس ازدواجًا ولا تناقضًا في المعايير بالنسبة للرأي العام الأوروبي، بل يؤكد أن العامل المؤثر في هذه الانتخابات لم يكن السياسة الداخلية، بل كان الموقف من العدوان على غزة، والموقف الأوروبي دليل التابع كليًّا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك كانت النتائج كما كانت فوز اليسار ضد اليمين المتحكم في بريطانيا، وفوز اليمين ضد يمين الوسط المنبطح للصهيونية والإمبريالية.

الانتخابات الأوروبية ستحدث تغييرًا سياسيًّا مهمًّا على مستوى الصراع الدولي وعلى مستوى تأثير الرأي العام الأوروبي في مجريات الأحداث الدولية.

في تصوري قد تحاول المنظومة الصهيونية المتحكمة في الدوائر الحكومية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، التقليل من حجم تلك التأثيرات وتسفيه إرادة الناخبين وعدم إتاحة المجال لتغيرات كبرى في أوروبا، وستحاول توجيهها بشكل أو بآخر لتثبيت موقف أوروبي داعم للكيان، ليظهر وكأن إجماعًا أوروبيًّا حول دعم ما تفعله دولة الكيان مهما كانت التغيرات، لكن ذلك قد لا ينجح في هذه المرحلة، فوعي الشعوب الأوروبية تطور بشكل كبير ودعاية معاداة السامية لم يعد لها ذلك التأثير على الرأي العام الأوروبي، فلقد كسر الأوروبيون وخاصة الشباب حاجز الخوف من تلك التهمة التي مورس بها قمع شديد ضد الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية، ونجح الشباب الأوروبي في الإطاحة بهذا المفهوم الجائر وارتفعت أعلام فلسطين في كل المدن الأوروبية بشكل لم يسبق أن رفع به علم على مدى التاريخ، وأحرقت أعلام دولة الكيان الصهيوني في العلن، وخرج إلى العلن القول بأن الصهيونية نوع من أنواع الفاشية والعنصرية ينبغي أن تحارب بكل قوة.

هذا الوعي الأوروبي قد لا يذهب أيضًا إلى مداه المنشود بالنسبة لنا لعدم وجود دعم عربي منظم، لأن العرب غير جاهزين لتبني مشروع دولي يناهض الصهيونية ويدافع عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني، فالمنظومة العربية الحاكمة في أغلبها لا تزال خاضعة للإرادة الصهيونية بشكل مباشر أو غير مباشر، والمنظومة العربية الشعبية لم تتطور إلى القدر الذي يسمح لها بلعب دور فعال في استيعاب حركات الشعوب الأخرى وربما تطويرها لخدمة القضايا العربية.

هذه المسألة لا شك ستؤثر سلبًا على أي دور شعبي لنصرة القضايا العربية، خاصة قضية فلسطين، فلقد نجح الاستعمار للأسف في تأسيس حال عربية رسمية تخضع لتوجيهاته وتوجهاته، وغير قادرة على تقديم مبادرات جدية لمصلحة الأمة، وبالطبع استخدم الغرب القوة والتدخل المباشر في ضرب أي محاولة تمكن العرب من انتزاع زمام المبادرة، فأسقطت الأنظمة العربية التقدمية بالقوة، ووصمت الحركات الوطنية للمقاومة بالإرهاب والتبعية لدول أخرى، وفجرت صراعات حول موضوعات قديمة من القرون الوسطى، استدعاها المستعمر وروج لها، كالصراعات المذهبية السنية الشيعية والصراعات الاجتماعية والإثنية وقضايا الأكراد والأمازيغ وما إليها، لتشتيت الرأي العام العربي وتوجيهه إلى غير الاتجاه الذي ينبغي أن يكون.

لكن للمقاومين في غزة آراء أخرى لا شك في ذلك وسنرى!

زر الذهاب إلى الأعلى