-مقالات الرأي

وشهِد شاهِدٌ ليس من أهلها

بقلم/ محمد عمر بعيو

رد على د.جمعة عتيقة قُـل ما تشاء ولكن إعلم أنّ الشهود لا يزالون أحـيـاء.

على طريقة المثل الليبي الذي يحكي قصة حفيد شاب سأل جده العجوز “متى نولّوا كبار يا جدّي؟ فأجابه الجد لما يموتوا اللي يعرفونا..وفي رواية أخرى أجاب الجد حفيدة لما يموتوا كبار القرية”.

في الحلقة 3 من برنامج الشاهد، الذي تنتجه وتبثه قناة “ليبيا الأحرار” ويقدمه الإعلامي والمذيع المتميز خالد سعيد، تحدث الشاعر الدكتور المحامي جمعة عتيقة عن علاقته المزعومة مع الشهيد القائد معمر القذافي رحمه الله، الذي عرفه كما قال عتيقة قبل الفاتح 1969، أثناء إقامته في بنغازي مع الأستاذ مفتاح كعيبة، حيث كان الضابط معمر يتردد على رفيقه القديم الذي عرفه في ثانوية مصراتة سنة 1961، ولم يتردد الدكتور جمعة عن تقييم شخصية معمر القذافي حيث وصفه بأنه كان يجيد تمثيل دور الوقار والحكمة وعدم التهور وكان يصطنع التعقل ولا يتفوه بأي كلام خارج عن الأدب أو يمازح أحد، لكنه أي السيد جمعة قال بأنه كان يشعر بأن معمر رحمه الله في سلوكه ذلك يُمثل أي أنه يزعم ويدّعي ما ليس فيه، ولهذا ولأنه ممثل بارع كما يزعم أخينا جمعة نجح في خداع واستقطاب الكثير من الشباب من جيل السيد عتيقة، الذي زعم في حواره هذا أنه كان ناضجاً ومثقفاً وصاحب رأي وتحليل، رغم أنه كان آنذاك دون العشرين من عمره حيث أنه كما يقول في سيرته الشخصية من مواليد 1950 أي أنه أصغر بـ 8 سنوات من معمر القذافي رحمه الله ومن الأستاذين مفتاح كعيبة ومحمد خليل وجميعهم من مواليد سنة 1942.

وقد بلغت الجرأة بل التجروء على الحقيقة والتاريخ بالدكتور جمعة عتيقة أن أنكر وجود تنظيم سري عسكري في الجيش بجناح مدني من أعضائه كعيبة وخليل وغيرهم، لأنه بالتأكيد لم يكن عضواً فيه بل ولم يكن ليعلم به ولا ليطلعه أعضاؤه عليه وهو الشاب الصغير الذي آواه وأسكنه معه الأستاذ مفتاح كعيبة حيث كان يقيم أعزباً في بنغازي استجابةً لطلب من شقيق الدكتور جمعة الدكتور علي عتيقة رحمه الله الذي يكبر شقيقه الأصغر بنحو 10 سنين وذلك بعدما أختلف جمعة مع زملاء سكنه من أنداده الطلاب آنذاك لأسباب شخصية لن أخوض فيها، جعلتهم يرفضون إقامته معهم، وليس في هذا ما يسيء إلى الدكتور جمعة في ذلك الزمن وذلك العمر، فللشباب نزقه وطيشه، لكن العيب أن يتحول النزق والطيش الشبابيين المفهومين والمغفورين لمن كان تحت العشرين، إلى اصطناع وقائع غير مدعومة وادعاء بطولات مزعومة وقد بلغ صاحبنا من العمر ثلاثة أرباع القرن وانتصف العقد الثامن من عمره المديد بإذن الله.

ربما كان الشاب المجهول يومذاك جمعة عتيقة، يتسمّع من بعيد على بعض أحاديث الرفيقين العسكري معمر القذافي والمدني مفتاح كعيبة، والتي لم يشارك فيها إطلاقاً وذلك ما علمته علم اليقين من الشهود العدول الأحياء، لكن خياله الخِصب كان يصنع له دوراً بطولياً موهوم لم يتجرأ على تحويله إلى واقع مزعوم إلاّ بعد 55 سنة على وقوعه في الخيال، وبعد 13 سنة من انقلاب الواقع وموت المُدّعى عليه، واطمئنان المُدّعي أن أحداً لن يرد عليه بضاعته البائرة التي يحاول بيعها في سوق المكس الحرام الرائجة جداً والخاسرة حتماً هذه الأيام.

شخصياً عرفت الدكتور جمعة عتيقة في صيف 1995 عندما دعاني إلى حفل كبير أقامه في بيته بمنطقة عبّاد في مصراتة، فور إطلاق سراحه من السجن بعفو شخصي من معمر القذافي رحمه الله، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها لي في مكتبي بإدارة الإعلام الخارجي الذي كنت يوم ذاك مديراً عاماً له شقيقه المهندس محمد عتيقة صحبة عمّي شقيق والدي القاضي محمد بعيو، “وكلاهما لا يزالان على قيد الحياة” حيث طلب مني الضيفان الكريمان كتابة التماس إلى قائد الثورة للعفو عن الدكتور جمعة، وذلك ما فعلته على الفور حيث كتبت الالتماس بخطّي “ولا تزال صورةٌ منه عندي” وقرأنا عليه ثلاثتنا الفاتحة بنيّة التوفيق، وحمله المهندس محمد عتيقة حيث أوصله ربما إلى السيد عبدالله السنوسي الذي لم يقصّر في إيصاله إلى مقصده، فوافق المقصود على الالتماس المنشود، وخرج الدكتور جمعة من سجنه الذي كان سيمكث فيه بحكم قضائي نهائي ربما ربع قرن لولا لطف الله العفو الغفور، ثم عفو من كان يومذاك يملك أمر العقاب وناصية العفو، ومن كان يستحق من الدكتور جمعة الوفاء حتى الممات، وليس الجحود والنكران والتحامل وادعاء البطولات على حسابه الشخصي بعد غيابه النهائي، ولو كنتم معي يوم ذلك الاحتفال الكبير في بيت الدكتور جمعة وقد حضره المئات من أهل مصراتة لا يزال معظمهم على قيد الحياة، لرأيتم وسمعتم ما أبداه الشاعر المحامي المعفو عنه “ليس براءةً من القضاء بل عفواً وصفحاً من صاحب الولاية القادر يومها على إبقائه سجيناً بحكم القضاء” من صنوف البلاغة وفنون الثناء لأدركتم مدى فداحة ما يتقوله منذ فبراير دكتور القانون على من عفا عنه تجاوزاً للقانون، ولعرفتم أكثر أن الهيام ليس فقط من صفات الشعراء “بالطبع ليس كل الشعراء” بل هو أيضاً ما يسِم ويصِم هؤلاء الذين ابتلانا الله بهم بعد فبراير من سياسيين مزعومين أوصلوا بأحقادهم وأمراضهم ليبيا إلى ما وصلت إليه من درك البلاء.

هذا المنشور ليس تحاملاً على الدكتور جمعة ولا تطاولاً عليه ولا ثلماً لعِرضه لا سمح الله، لكنه تذكير له ونصيحة من صديق سابق له وصاحب فضل ولو بالكلمة في نيله حريته ونجاته من السجن وأهواله، أن يقول الحق أو يصمت، وأن يدرك أن مقامه سيعلو أكثر لو اعتمد على قدراته وإمكانياته والاهتمام بترسيخ مكانته بين أهله بما يملك من مقومات لا بما يتقوّله ويدعيه في مقام الشبهات على الأموات.
والله حسبي في ما أكتب وما أقول إليه المقصد سبحانه وقصد السبيل.

زر الذهاب إلى الأعلى