مقالات الرأي

كلمات في تأبين رجالات الوطن

بقلم/ ناصر سعيد

فقدت ليبيا خلال الأيام الماضية وفي الأيام المباركة من شهر ذي الحجة ثلاث شخصيات من خيرة رجالها مشهود لهم بالكفاءة المهنية والمواقف الوطنية والريادة في العمل الوطني والسياسي والاجتماعي، دعاة الصلح والإصلاح، وكأن القدر الذي جمعهم على حب الوطن والذود عنه يجمعهم في تلك الأيام المباركة للقاء ربهم معًا لحكمة ارتضاها الله تعالى ولا رادَّ لحكمه.

فكانت البداية بفقد القامة الاقتصادية والمهنية والإدارية الأديب المهندس جاد الله عزوز الطلحي، رجل من رجالات الوطن الصادقين المخلصين، كان مناضلًا قوميًّا وقياديًّا وطنيًّا وسياسيًّا بارعًا، دافع عن قضايا شعبه وأمته، وعمل في كثير من القطاعات، وكانت له إسهامات وبصمات واضحة في بناء ليبيا الحديثة، إذ يشهد التاريخ على وطنيته وإخلاصه وتفانيه في أداء مهامه.

أدار المهندس جاد الله، وبمهنية عالية واحترافية قل نظيرها، العديد من المؤسسات والقطاعات الاستراتيجية، وكان باحثًا متطلعًا لحالة النهوض الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا، وله إسهامات بحثية وعلمية سخرها لخدمة بلده، وكانت له بصماته ومواقفه المنحازة للوطن والشعب، في عديد المحافل الدولية التي مثَّل فيها بلاده بوجه مشرف، وجاهد بقلمه ولسانه ضد ما تعرضت له ليبيا من عدوان، وتحمل ما تحمل من ألم ومعاناة بسبب مواقفه الوطنية دون أن تكل عزيمته، إلى أن أسلم الروح لبارئها.

ثم لحق الشيخ الدكتور “علي محمد الأحول” بالمهندس جاد الله، حيث انتقل إلى جوار ربه، في أول أيام عيد الأضحى بجمهورية مصر العربية، بعد معاناة مع المرض، وهو المعروف بمواقفه الوطنية من قضايا الوطن، فقد تولى موقع المنسق العام لملتقى القبائل الليبية الذى تأسس أثناء مواجهة المؤامرة التي حاكتها الدوائر الغربية لتدمير الوطن في العام 2011، دفع بمقتضاه سنوات من عمره في المهجر والغربة، بعيدًا عن وطنه وأهله، ولم ينفك في مهجره عن العمل مع القيادات السياسية الوطنية والاجتماعية لرأب الصدع بين الليبيين، فتم اختياره رئيسًا لجمعية الأخوة الليبية بمصر، التي عمل مع رفاقه من خلالها على تخفيف معاناة المهجرين، كما كان من القيادات التي أسهمت في تأسيس تنظيم وطني لقيادة العمل السياسي من أجل استعادة الوطن من مخالب الإرهاب والاستعمار، واستمر الفقيد منذ ذلك الحين في عمله النضالي من دون كَللٍ أو مَلل إلى أن أسلم الروح لبارئها.

وشاء القدر أن يلتحق بكوكبة الراحلين الشيخ العلامة الدكتور “محمد مصباح البرغوثي” الذي انتقل إلى جوار ربه بعد معاناة مع المرض، ويشهد الليبيون لهذا الشيخ بشخصيته القيادية ومواقفه الوطنية.

لقد ترأس الشيخ المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة في فترة حالكة السواد من تاريخ الوطن، وكانت له إسهاماته في أغلب مسارات المصالحة الوطنية والاجتماعية والحوار الإيجابي البنَّاء في كل مناطق ليبيا، وقد دفع ضريبة مواقفه من الاعتقال والتضييق، وكان كما عهدناه صاحب عزيمة صلبة لا تلين، فضلًا عن تميزه بالخطابة والبلاغة والعلم والمعرفة والحكمة، التي حظي بموجبها باحترام وتقدير الجميع.

يدرك الجميع أن الراحلين قد شكَّلوا كنزًا معرفيًّا ثمينًا، وتجربة ملهمة، وسيرة عطرة مليئة بالعطاء والكفاح والمكابدة والتضحية والإيثار، مما يجعل فقدهم خسارة فادحة.

وفي هذا المقام نستمطر شآبيب الرحمة على أرواحهم الطاهرة سائلين الله العلي القدير أن يسكنهم فسيح جناته وأن يلهم آلهم وذويهم جميل الصبر والسلوان.

زر الذهاب إلى الأعلى