مقالات الرأي

حديث خوري!

بقلم/ مصطفى الزائدي

استغرب البعض أنْ لا جديد في إحاطة ستيفاني خوري نائبة مبعوث الأمين العام المستقيل، والغريب هو استغراب هؤلاء، لأن ما يرد في كلمات المبعوثين إلى مجلس الأمن عمومًا نصوص إنشائية تعد وفق صياغات جاهزة ومتكررة، يعدها موظفون صغار يستقون معلوماتهم ليس من واقع بحث وتدقيق، لكن من مصادر غير موثوقة ولا مسؤولة، يركزون على حجم الخطاب وعدد كلماته وصفحاته، لذلك يكون خطابًا فضفاضًا أجوف، وبالمناسبة هذه ليست خاصية لإحاطات المبعوثين إلى ليبيا، بل سمة كل تقارير المبعوثين للدول المأزومة، وفي كثير من الأحيان تتكرر نفس الجمل حرفيًّا وتتغير فقط الأسماء والمسميات!

في الأساس المبعوثون ليس من مهامهم البحث في حلول، بل مطلوب منهم تسيير الأوضاع كما هي واحتواء التطورات وفقًا للمخطط المرسوم من المجتمع الدولي الذي هو في الواقع الغرب النووي بقيادة الولايات المتحدة، لكن المبعوثين إلى ليبيا يختلفون عن الآخرين بالنظر إلى طبيعتها، فالأزمة الليبية فريدة من نوعها لسبيين، الأول هي أزمة مدبرة ومنفذة من ذلك المجتمع الدولي لتحقيق أهدافه ومصالحه التي تتناقض مع وجود دولة بمؤسسات مستقرة وبنظام حكم قوي، وثانيها عدم وجود صراع متجذر ولا حتى خلاف جوهري بين الليبيين، وما ظهر على السطح عبارة عن خلاف بين مجموعات مكَّنها المجتمع الدولي نفسه بعد تدخله العسكري وتدميره مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتدور أغلب تلك المجموعات في فلكه وتخضع لأوامره وتعمل على تحقيق أهدافه وتأمين مصالحه.

ببساطة حل الأزمة الليبية وإعادة بناء الدولة وتكوين سلطة متينة تتمتع بشرعية شعبية وطنية ليس في مصلحة الغرب الذي دمر الدولة وفكك مؤسساتها ويديرها عمليًّا عن طريق سفرائه، وصدَّر مجموعات من التافهين إلى الواجهة في عملية خداع مفضوح لا تنطلي على الأطفال.

على هذا الأساس نتفهم موقف الغرب المعرقل لإعادة بناء الجيش على أسس مهنية حرفية، ودعمه مجموعات مسلحة أيديولوجية وجهوية، لأن الجيوش أهم ضمانات قيام الدول المستقلة، وهذا واضح في موقف ما يسمى المجتمع الدولي من القوات المسلحة العربية الليبية التي فرضت نفسها وتسيطر عمليًّا على أغلب التراب الوطني وهيأت الظروف لبناء مؤسسات دولة وأطلقت عملية واسعة للتنمية بدون إمكانات.

الحقيقة أن الغرب الذي صمم الربيع العربي لخدمة الكيان الصهيوني وتمكينه من السيطرة الناعمة على المنطقة لم يضع تصورًا لما بعد الفوضى الخلاقة، وتصور أن الفوضى ستطور نفسها لتشكيل هياكل دويلات ضعيفة تابعة للكيان، لكن الرفض الواسع لمخطط الفوضى في كل المنطقة وتفجر صراعات جديدة وقوية خاصة في شمال أوروبا، وتطور الصين اقتصاديًّا وخروج إيران كمعامل جدي وأمر واقع لا بديل عن القبول به وهزيمة الغرب في أفغانستان، كل ذلك أربك المخططين الغربيين، فلم يجدوا بديلًا عن استمرارية الأمور كما هي عليها، وفي هذا السياق فقط لا بد من فهم طبيعة ودور المبعوثين وقراءة وتحليل خطاباتهم!

الواهمون فقط ينتظرون العسل من لسعات العقارب!

فمن الخطيب إلى الخوري لم تتغير إحاطات المبعوثين، لكن المنتظرين ليروا ضوءًا في آخر النفق ما زالوا يحلمون بحلول لأزمة لا أساس لها!

وهم يدركون بعد كل إحاطة جديدة كل ربع سنة أن الحل بين أيدينا، لكننا نخشى أن نلجأ إليه!

زر الذهاب إلى الأعلى