الملك عريان!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
في عام 2011 أصدر مجلس الأمن خلال شهر واحد قرارين جائرين بحق الشعب الليبي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وُضعت ليبيا بموجبه عمليا تحت الوصاية الدولية بعد أن كانت قد تحررت فعليا عام 1969 من سيطرة الحلفاء غير المباشرة وعبر القواعد العسكرية والمستوطنين الطليان، وتجاوزت قبل وقت قليل قرارات الحصار في التسعينيات تحت نفس البند بتهمة لوكربي الباطلة.
لقد استند مجلس الأمن في قراراته على ادعاءات مفضوحة ومعلومات مزورة انتقلت بسرعة البرق من مجلس حقوق الإنسان الذي أصدر قرارا بناء على وثيقة كاذبة من منظمة مشبوهة مجهولة بدون هوية، اختفت تماما من الوجود بعد أن نفذت مهمتها الإجرامية، تبناه بشكل مبرمج مسبقا مجلس التعاون الخليجي وانتقل إلى جامعة الدول العربية.
الادعاء تركز على أن الحكومة الليبية تنفذ إبادة جماعية للشعب الليبي، وأن مئات الآلاف من جثث الليبيين ملقاة في الشوارع، صاحبتها حملة إعلامية محمومة مبرمجة، وأحيل إلى مجلس الأمن الذي أصدر خلال شهر قرارات غريبة ستبقى وصمة عار على ما يسمى المجتمع الدولي، وفقا لإرادة الدول الكبرى النافذة في مجلس الأمن، وقبل ساعات من تبني مجلس الأمن رسميا قراره الثاني كانت الطائرات الفرنسية والقطرية تقصف طرابلس وضواحيها، توسع الهجوم الجوي الوحشي الغاشم بعد لحظات إلى أعنف وأطول هجوم عسكري نفذه حلف الناتو وحلفاؤه من دول أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، ليشمل كل مدن وقرى الغرب والجنوب الليبي، دمر أغلب المنشآت العسكرية والمدنية بدون استثناء، وأحدث مجازر بشرية قضت على أرواح عائلات بأكملها، ودمر أحياء سكنية، لعل أبرزها مجازر ماجر وصرمان ومجزرة حفظة القرآن في البريقة وسرت ومجازر سبها والغرارات في طرابلس ومجزرة العرقوب وغيرها من مجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين والعسكريين.
انتهت تلك الحملة الغاشمة بإسقاط النظام وتفتيت الدولة وتسليمها لحفنة من الإرهابيين والعملاء التافهين دون أية مؤهلات، وتمكنت المنظمات الإرهابية والعصابات الإجرامية من التغلغل في مفاصل الدولة فانتشرت الجريمة وعم الإرهاب وانتشر الفساد طيلة 14 عاما.
ما يسمى المجتمع الدولي مستمر في تنفيذ سياساته التدميرية لليبيا، حتى بعد أن نهض ضباط الجيش الليبي بجهود ذاتية وقرروا تحرير البلاد وتطهيرها من الإرهاب، وتبني مجلس النواب مشروع إعادة بناء الدولة، لكن المجتمع الدولي وقف لهم بالمرصاد، ودعم بالقوة السلطة المفروضة في طرابلس التي تخضع لسيطرته وتعمل فقط لتأمين مصالحه.
لنقارن الحالة الليبية، بما يحدث اليوم في فلسطين وخاصة غزة من مذبحة بشرية حقيقية، وما يتعرض له السكان الأبرياء من إبادة جماعية متكاملة الأركان أثبتتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وتوثقها بالصورة والصوت كل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة سواء الأونروا أو اليونيسيف أو منظمة الصحة العالمية أو الصليب الأحمر وغيرها، ومع هذا تعجز الأمم المتحدة عن المطالبة على الأقل بوقف المذابح بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض مرات متتالية لمنع إصدار قرار ولو تحت الفصل السادس الذي هو حبر على ورق، ولا حتى المناشدة المحتشمة بوقف الجرائم الصهيونية الوحشية ضد الإنسانية! فأين ما حدث في ليبيا عام 2011، مما يحدث اليوم في غزة؟
هل هناك وجه للمقارنة؟ هل قتل قبل التدخل الناتو في مارس 2011 عشرات من الليبيين وليس مئات آلاف؟ وهل كان القتل مدبرا من المتآمرين لتهييج الناس كما تبين لاحقا؟ هل كان الجيش الليبي يستخدم فعلا مرتزقة لإبادة الليبيين؟ وهل كان الجيش الليبي يمارس الاغتصاب الممنهج للنساء؟ هل كان الجيش الليبي يدمر أحياء بكاملها ويقلبها عاليها على واطيها؟ هل تحققت أي منظمة دولية من ما جرى في ليبيا؟ بينما الحال المأساوي في غزة واضح للجميع، ربما تعكس حجم مأساته حالة الغضب الشعبي العارمة في كل مدن العالم. السؤال الذي سيجيب عنه الجميع دون تفكير لماذا يغمض مجلس الأمن عينيه على ما يجري في غزة؟ البنان سيشير إلى المجتمع الدولي الذي هو أمريكا؟
النخبة الليبية بما فيها تلك التي كانت مؤيدة لما جرى في 2011 وداعمة لتدخل الناتو العسكري وانتبهت بعد هذه النتيجة الكارثية التي تعيشها ليبيا، مطالبة اليوم بأن ترفع الصوت عاليا منادية بأن تعتذر الأمم المتحدة للشعب الليبي، وأن تكافح لخروج مؤسسات ما يسمى المجتمع الدولي وفي مقدمتها بعثة الأمم المتحدة من ليبيا، فهي أداة تدمير لبلادنا وتدخلها الذي لم ولن يكون أبدا في مصلحة الشعب الليبي ولا الدفاع عن أمنه واستقراره، وتلك الدموع الذي سكبها ماكرون وساركوزي وأوباما، وهم يتباكون نفاقا على الإنسانية ويتعاطفون كذبا مع الشعوب المظلومة لم تكن سوى دموع تماسيح! انكشفت اليوم في غزة ونزعت المقاومة الفلسطينية البطلة عنها ورقة التوت وكشفت عورتها!
إلى متى ينبغي علينا أن نغمض أعيننا ونخشى أن نقول” الملك عريان”!