من رحم الديكتاتورية.. يتولد الشر
بقلم/ عفاف الفرجاني
في جولة مسائية داخل متصفح لمواقع مجلس الأمن ظهر أمامي بيان استوقفني، بيان يقضي بسماح لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن للمهندس محمد معمر القذافي، الابن الأكبر للعقيد الراحل معمر القذافي بالإعفاء لأسباب إنسانية من حظر السفر المفروض من قبل مجلس الأمن، جاء ذلك بعد اغتيال والده وإخوته سنة 2011.
وعلى المهندس محمد ووفق ما اشترطه مجلس الأمن إخطار لجنة الجزاءات الأممية وإعلامها قبل سفره أو خلال شهر واحد بعد السفر!!
بالإضافة إلى إخطار لجنة الجزاءات كتابيا في غضون 48 ساعة بعد وصوله أو مروره على أي دولة يقصدها.
محمد ليس الوحيد الذي منع من حقه في التنقل من أبناء الزعيم معمر القذافي، بل هناك الدكتورة عائشة ووالدتها صفية فركاش وباقي أخواتها الأحياء (الأموات).. الإبحار داخل هذا المجلس الانتقائي والتوغل فيه وفي ماهيته سيظهر لك وحشيته ودمويته وتغذيته للحروب والقتال الدائر في كل أنحاء العالم، هذا المجلس الذي يجرم مهندسا مدنيا من حقوقه ويحجر على سيدة مكلومة في المنفى، ويكبل أيادي دكتورة أم من حرية ممارسة حقها الطبيعي في التنقل السلمي بأبنائها بتهمة كونهم الأبناء البيولوجيين لرجل انتهك عذرية أممهم المتحدة في عقر دارها بعد أن مزق ميثاقها الذي اختبأت وراءه عقودا تدعي الحريات، وهنا لن أتطرق بما انتهى الأمر بباقي العائلة، إن كان الكابتن هانيبال الذي يمن عليه اليوم الشيعة بإخراجه صباحا لإعداد قهوتهم وإرجاعه إلى زنزانته في سجن لبنان، أو الأسير سيف الإسلام الحر المسجون، أو عن ذاك المنفى الذي يقطنه الساعدي.
كل الكيانات الموجودة اليوم من أمم ومجلس وجنايات ما هي إلا أدوات تخدم مصالح ضيقة لدول عظمى، منهجيتها رفعت عنها غطاء الإنسانية والأخلاق، جاءت كلها على أنقاض الحرب العالمية الثانية وأعادت ترتيب الهيمنة.
معيار القوة اليوم هو الذي يحدد استراتيجية عمل هذه الكيانات، جميعهم انكشفوا أمام العالم وعلى رأسهم مجلس الأمن الذي ضرب بقراراته عرض الحائط من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي رفض تنفيذ قراره بوقف إطلاق النار في غزة لتكون إبادة جماعية أمام شاشات العالم، وكيف غض المجلس النظر عن الهجوم الصهيوني على القنصلية الإيرانية بدمشق!!
في الوقت ذاته سمح المجلس بتمرير تهديد الولايات الأمريكية لإيران الذي دعت فيه واشنطن مجلس الأمن إلى إدانة الرد الإيراني وطالبت بفرض عقوبات على طهران!!
اليوم مجلس الأمن يتكرم على المهندس محمد القذافي بفرصة التنقل لمدة ستة أشهر وهو المدني، الذي تم اغتيال وقتل عائلته بطريقة وحشية أمام العالم.
ماذا لو عومل نتنياهو مجرم الحرب، قاتل الأطفال كما تمت معاملة الشهيد صدام حسين أو القذافي الذي اتخذ قرار اغتياله وضرب ليبيا قبل ساعات من قرار مجلس الأمن الذي طالب فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما القذافي بالتنحي، وهو القائد الفعلي لدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة منذ 1955م، فيما سحبت الحكومة البريطانية وفرنسا اعترافهما بالسلطات الليبية واعترفتا بما يسمى المجلس الانتقالي، دعتا إلى رحيل القذافي، وتزامن هذا مع الضرب الوحشي بقنابل الغاز، التي ظهرت تداعياتها الآن بانتشار الأورام وأمراض العقم.
نحن سكان العالم المغلوب على حقه نعيش مفارقة عجيبة بين وجود تيار عام يدعو إلى الديمقراطيات وحماية الحقوق من أنظمتها القمعية والدكتاتورية كما يدعون، ومن جهة نعيش ممارسات فعلية للدكتاتورية العالمية يغطيها مجلس الأمن بحلفاء أشرار ينفردون بسلطة القرار الدولي.