قلم وكلمة.. وحقيقة تروى
بقلم/ عفاف الفرجاني
فجأة وجدت نفسي أجهز مقالتي للعدد مئتين لصحيفة الموقف الليبي الصادرة بنسختها الورقية، لم أتخيَّل ونحن نشرع في إصدار العدد صفر من الصحيفة بأن نصمد إلى العدد خمسين وسط الزخم الإلكتروني الكبير والتحديات الموجودة، حين قررنا البدء في إصدار صحيفة أسبوعية ورقية كجزء من مشروعنا الوطني راودتني مخاوف حول بعض التحديات أولها تراجع الورقي أمام الإلكتروني، استنادًا إلى مساحة الحرية الممنوحة لهما، فسقف الحرية التعبيرية متفاوت وشكل كبير عالميًّا، إلا أن شغف العودة إلى الماضي أغراني، حيث فوضى غرف التحرير وحبر الأقلام، ومناكفة فناجين القهوة، وأصوات الزملاء العالية… الخ.
في المطبوعة الورقية يجد الصحفي نفسه بين حقيقة الأشخاص وحقيقة الكلمة، حيث لا يوجد فضاء افتراضي، كله حقيقي، كل هذا شكَّل لدي دافعًا حقيقيًّا وراء الإيمان بهذا المشروع، حتى حارس البوابة الذي يشغل وظيفه دولية، في حالتنا كان إيجابيًّا، لم أغير يومًا قناعتي بأن الصحف الورقية قصاصاتها لا تسقط بالتقادم، ستكون شاهدًا تاريخيًّا لكل ما حصل وسيحصل، عندما تلتهم الشبكة العنكبوتية محتوى ما رصد من أخبار ومعلومات، وهذا الأمر تحصيل حاصل اليوم أو غدًا، كم من قصاصات صحافية أضحت دليلًا حقيقيًّا على من رواها أو من شاهدها، كم من قضايا حسمت بقصاصة صحيفة!! وكم من بسطاء شكَّلوا رأيًا عامًّا بحبر كلمة، ستبقى التحليلات والتفسيرات لما وراء القصاصة شاهدًا لن يشوهه الكيبورد.
الصحافة الورقية هي الفن الذي جمع اللغة والإبداع ليخلق مطبوعة تشكِّل فارقًا فكريًّا يتداوله الناس.. إن النمو الذي شهدته الصحافة والحرية صنع ظاهرة عامة تجعل منهما قوة مهمة في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأي دولة، وهذا طبعًا نسبي، فتجربتي في الصحافة المكتوبة (الورقية) دحضت مفهوم المواجهة والتحدي. صحافة اليوم من أهم سماتها التخصيص والتوطين والمصداقية، الموقف الليبي اليوم استطاعت أن تكون مشروعًا وطنيًّا بامتياز، حيث الرصانة والتنوع والمصداقية والحياد، كلها عوامل لصناعة صحافة ملتزمة ذات طابع مختلف، ولا أخفي عن القارئ ما يعيشه قلمي اليوم من براح تعبيري تعدى المتوقع في دولة تعيش تقلبات سياسية وأمنية، الموقف الليبي الصادرة من بنغازي المدينة التي تحظى بالاستقرار لاقت انتشارًا واسعًا، لم يصادر مقال ولا عدد منها طيلة السنوات الخمس، رغم كونها صحيفة نضالية محسوبة على النظام السابق، فهي وجدت البيئة الصحية التي تتوافق مع مبادئها وتوجهها الوطني.
اليوم نحن فخورون بما تحقق من إنجاز لم يتجاوز العمل به الالتزام الأخلاقي أو ميثاق الشرف للمهنة، بعيدًا عن خطاب الكراهية.
وأخيرًا شكرًا لمن جعل هذا ممكنًا، وسعداء بكتَّاب الصحيفة من النخب الأكاديمية والسياسية والإعلامية والاقتصادية وفي مجال الثقافة والأدب والشعر والرياضة وبالقراء والمتابعين على الموقع الإلكتروني أيضًا.