جسور التواصل
بقلم/ ناصر سعيد
في ظروف غاية في الصعوبة ومن العدم تقريبا نجحت صحيفة “الموقف الليبي” في ضمان الالتزام والإصدار الأسبوعي في موعده، رغم قلة الإمكانيات والأدوات، العمل الإعلامي بالتأكيد يحتاج لأجل الاستمرار والتطور إلى تمويل دائم يغطي الجهود المبذولة.. ولكن بالمقابل صحيفة الموقف وأسرة التحرير يدركون أنهم في معركة إعلام وطنية بجهود ذاتية وعمل تطوعي في إطار الكفاح الوطني، معركة إعلامية نحو كتابة الحقيقة ونشر الوعي وقراءة الواقع واستشراف المستقبل وكشف الزيف والتزوير والتآمر والفساد وطرح المعضلات والخبايا والمعالجات والرؤى الوطنية.
ظهرت الصحيفة في ظرف وطني عصيب قاتم المآلات، غاب فيه الموقف الليبي الواحد وتعددت وتنوعت المواقف وتباينت الرؤى والأقلام المتذاكية والمسطحة، وسط ضجيج الإعلام المؤدلج وفتاوى التكفير، والتفكير بالتمني والمصادمات القبلية والجهوية، وقعقعة السلاح، وأزيز الرصاص، وتعالي خطابات الثأر وإفناء الخصوم، ووسط مشهد بالغ التعقيد.
لقد تناولت “الموقف” بمعالجة جادة، تحليلًا وتحريضًا ومتابعة، أزمة الوطن بما يضمن وحدة ليبيا واستقلالها وحرية الليبيين جميعًا وعودة الأمن والسلم إلى ربوع الوطن، من خلال دعوتها إلى إطلاق حوار مجتمعي تنتج عنه مصالحة وطنية شاملة، تمكن الليبيين من إقامة سلطة تعكس إرادتهم، انطلاقًا من رسالتها التي تحرض على العمل السياسي السلمي لاستعادة ليبيا بلدًا حرًّا مستقلًا، وتمكين الشعب الليبي من تقرير مصيره بعيدًا عن التدخل الخارجي، كان ذلك من خلال الأخبار الصادقة التي تفضح تلك المفبركة، والمقالات التحليلية والرأي والملفات والمتابعات، والأبواب الثابتة.
“الموقف” صحيفة فكرية سياسية هدفها التأكيد والدفاع عن الثوابت الوطنية الراسخة والسيادة والاستقلال والوحدة، ومقاومة المؤامرة على الوطن والأمة والدين، وتمنع نشر كل ما يدعو إلى التجزئة والتشرذم أو الدعوة أو الدعاية للجهوية والقبلية أو كل ما يمس الوحدة الوطنية، تقوم على مبدأ المصداقية والرصانة بمضامين عقلانية لا تهدف إلى الإثارة والتشويق ولا تنتهج الأسلوب المبتذل القائم على الشتائم والمناكفات التي تفقدها احترام القراء.
لقد تمكنت الصحيفة من خلق مساحة للحوار البنَّاء، وفتحت جسور تواصل بين الأكاديميين والكتاب والمثقفين والأدباء والنخب السياسية والفعاليات الاجتماعية، من خلال تنظيم العديد من الندوات الفكرية والسياسية وحلقات النقاش بمشاركة عدد من القيادات السياسية والإعلامية، لإثراء المشهد السياسي الليبي بكل ما هو جديد ومثمر، لعل أهمها ندوتها حول “القاعدة الدستورية للمرحلة التمهيدية”، وعن “الحوار الليبي أهميته ـ ثوابته ـ مآلاته”، وأخرى حول “رؤية القوى الوطنية لحل الأزمة الليبية”، وندوة حول “انعكاسات المقاومة الفلسطينية على القضايا العربية والصراعات الدولية”.
وتمكنت الصحيفة من استقطاب نخبة وطنية مثقفة تعلي لغة الحوار، وتبحث عن مخرج لتفكيك الأزمة، وإنهاء الصراع، وطي الخلافات وإن كبرت، في مسعى خالص لوجه الوطن، بعيدًا عن لغة الإقصاء والتهميش وادعاءات البعض احتكار الحكمة والمعرفة والحل والعقد، فأضاعوا البلاد والعباد وأفسحوا المجال لحلول الخارج، والمراهقين السياسيين وتجار الحروب وأشباه المثقفين وفرسان الكلام الذين لا يقولون شيئا سوى المناكفات والمزايدات والبطولات المصطنعة، وتوزيع صكوك الوطنية وسحبها عن كل من لا يؤمن على ما يهرفون.
بطباعة هذا العدد 200، تكون صحيفة “الموقف الليبي” قد حافظت على انتظام الصدور دون انقطاع على درب حرية الوطن وسيادة الشعب، صمدت بإرادة العاملين فيها تطوعا، وفزعة، وعزيمة الكتاب والمثقفين والنخب الوطنية، فتفردت في هذا الزمن المليء بصحافة السلطة والمال الفاسد، والصحفيين المأجورين، لتكون أول صحيفة لصحفيين بلا أجور.
ستظل «الموقف الليبي» رافدًا قويًّا للقوى الوطنية وصخرة تتحطم عليها الأقلام المأجورة.