ننتظر المعجزة أم نصنعها؟!
بقلم/ مصطفى الزائدي
السؤال الدائم المطروح بين الليبيين في أي لقاء سياسي أو اجتماعي هو: ما الحل؟ وهل تنجح المؤسسات المسيطرة على المشهد في تشكيل حكومة جديدة تتولى مهمة إجراء الانتخابات الرئاسية النيابية، تمهيدا لبناء ليبيا جديدة قائمة على التعايش السلمي بين الليبيين المتساوين في الحقوق والواجبات؟
دائمًا تكون الإجابة بعدم اليقين في ذلك، والنفي القاطع لها من الأغلبية، استنادًا إلى صعوبة تشكيل حكومة واحدة، خاصة بعد تجارب متكررة فاشلة طيلة عشر سنوات، وإن وقعت معجزة وتشكلت فمن الصعوبة بمكان أن تنجح في استلام مهامها خاصة في ظل تعنت الحكومة الحالية المحتلة للعاصمة والمحتمية بالميليشيات المسلحة والمتمتعة بدعم وحماية وتشجيع الدول الغربية المسيطرة على ليبيا، وحتى استلمت الحكومة المنتظرة مهامها، وهذا أمر بعيد الاحتمال، فإن إمكانية نجاحها في تنظيم انتخابات عامة تمكن الشعب من التعبير عن آرائه بحرية ونزاهة وشفافية يعد من المستحيلات، فليس من السهل التوافق على قيم انتخابية في ظل سياسة “الختل” النصب والاحتيال لضمان نتائج الانتخابات لهذا الطرف أو ذاك، ومن الأساس لم يتم تحديد شكل النظام السياسي الليبي الجديد هل هو جمهوري أم ملكي أم جماهيري أم أميري أم إسلامي أم فيدرالي أم كونفدرالي إلى آخر قائمة المشاكل المتعلقة بالنظام السياسي؟ ولو سلمنا جدلا بأن الغالبية يسعون إلى بناء نظام جمهوري، فستطرح إشكالية هل هو جمهوري رئاسي أم جمهوري برلماني أم جمهوري مختلط رئاسي وبرلماني وهكذا؟ هذه الأسئلة تحتاج وفقا لمعيشتنا في التعامل مع الإشكاليات المطروحة في السنوات الماضية إلى عقود من الزمان حتى تستكمل الإجابة عنها.
إذًا، من غير المنطقي المراهنة على هذه الحلول النظرية التي يحاول البعض تداولها لتبقى طاغية على تفكير الناس والتي يعلمون أنها مجرد ذر للرماد في العيون حتى يستمر الحال على ما هو عليه. من هنا تكمن أهمية طرح سؤال: هل تحصل معجزة؟ كأن يستفيق ضمير الدول الغربية المسيطرة فعليا على ليبيا وتدير أزمتها لتحقيق أهدافها والتمكن أطول زمن من ثرواتها، هل نتوقع من تلك الدول التي دمرت ليبيا وخربت مؤسساتها وأوصلتها إلى ما هي فيه وتنظر إليها بنظرة عطف وشفقة، وتسمح لشعبها بأن يشق طريقه لبناء المستقبل الذي يريده؟
وفي الشق الثاني من السؤال هل يستفيق ضمير أمراء الحرب وقادة الميليشيات ومنتسبو المجموعات المسلحة المسيطرة على المشهد والمتحكمة في العاصمة التي تدير عمليًّا الحكومة والدولة من خلف ستار هش، وتقرر أن تتبنى المطالب الوطنية للشعب وتقوده في مسيرة إعادة بناء الدولة؟
أتصور أن أكثر الواهمين خيالًا وانتظارًا لحدوث المعجزات لن يتصوروا أن ذلك يمكن أن يحدث هكذا عن طيب خاطر وبين عشية وضحاها! ولا حتى في المدايات المتوسطة والبعيدة!
إذًا لم يبق أمام الليبيين إلا أن يصنعوا المعجزة!
لقد نجح ضباط القوات المسلحة في صناعة معجزة إعادة بناء الجيش تحت إطلاق النار، وتمكنوا في سنوات قليلة لكن بتضحيات جمة من تحرير أجزاء كبيرة من الوطن وتطهيرها من العبث والفوضى وسطوة الإرهاب، وأعادوا الاستقرار وأطلقوا عجلة البناء في تلك الأجزاء المحررة، في ظروف لو نظرنا إليها بنظرة الواقع لا تسمح إطلاقا بتحقيق ذلك، فلقد عملت القوات المسلحة بإمكانيات محدودة في مواجهة قوى إرهابية ومرتزقة مدججين ومدعومين، وكانت تحت حصار دولي ومحلي، وقطعت عنها كل مصادر التمويل حتى نجحت أخيرًا في افتكاك بعض يسير سخَّرته لبناء ركائز الدولة!
فهل يمكن أن يشكل ذلك التحدي المهم والنجاح المقدر نموذجًا يحتذى من قبل النخبة الليبية السياسية والأكاديمية والثقافية والنقابية وغيرهم، ويشجعهم على إطلاق مشروع وطني لإعادة بناء الدولة، أساسه مقاومة التواجد الأجنبي في ليبيا بكل أشكاله وخاصة المخفي منه، ورفض تدخله في شؤونها واسترداد قرارها السيادي، وتعبئة القوى الشعبية في عملية ثورية وطنية بآليات واضحة ومحددة تتيح لليبيين المشاركة الفعلية والعملية في وقف دائرة العبث، وتبني مشروع خلاص وطني متكامل الأركان وعملي يمكن من خلاله بناء مؤسسات الدولة الليبية الجديدة التي تقوم على التعايش السلمي بين الليبيين بعيدا عن الإقصاء والتهميش والاستقراء بالأجنبي.
لا شك أن ذلك أمر صعب يحتاج إلى جهود ضخمة وتضحيات كبيرة، وقبل كل شيء إلى إرادة وطنية تثق بنفسها وبقدرتها على العمل الجاد.
أتصور أن الظروف الموضوعية مهيأة تمامًا لإطلاق هكذا مشروع جدي، وأن الناس تنتظر من نخبتها وأن تتصدر قيادة المشهد وألَّا تترك الأمر بأيدي الفاسدين والتافهين والعملاء!