وقائع ثورة الكرامة كما يرويها المستشار الأمني بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية
تقارير- الموقف الليبي
تعد “ثورة الكرامة” نقطة فاصلة في التاريخ الليبي الحديث، ومعركة حامية الوطيس قادتها القوات المسلحة العربية الليبية لاستعادة ليبيا من براثن المؤامرات التي يتم دفع أثمانها إلى الآن من الدم الليبي.
فثورة الكرامة حدث تاريخي له دلالته وانعكاساته على الوضع الليبي، ومعركة كان لها شأنها في استعادة ليبيا من براثن الإرهاب المسلح الذي سيطر على مقاليد الحكم، وعلى كافة القوى في ذلك الوقت ملقيًا برصاصات التشويه على كل رموز النظام السابق، حتى انتهك سيادة الدولة واستقلالها وقيد حرية المواطن ونهب ثرواته.
و مثلت “عملية الكرامة” التحدي الأكبر والأقوى في التصميم والعزم على مواجهة الإرهاب المتمثل في العصابات الإجرامية التي استولت على مؤسسات الدولة وسلاح القوات المسلحة وعتادها ومعسكراتها بتمكين من حلف شمال الأطلسي الذي شن عدوان ظالم على دولة حرة مستقلة في تحالف دولي قادته دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل أفضل من يروي وقائع تلك المعركة هم الشاهدين عليها والمعاصرين للفترة، كما يرويها اللواء فؤاد محمد الرياني المستشار الأمني بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية عن رحلة داعش من الرقة إلى سرت والتي ينقلها لكم موقع الموقف الليبي على 5 حلقات كما نستعرض في هذا الملف.
وإلى الحلقة الثالثة ..
هزيمة التنظيم فى درنة وبنغازى وسرت أفقدته توازنه فانتهت سيطرته على المدن وعاد كتنظيم سرى يعتمد على الهجمات الإرهابية الخاطفة
تناولنا بالتقرير السابق فى الجزء الثانى، إعلان تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية بعد معارك عملية البنيان المرصوص التى إستمرت فى الفترة من أبريل حتى ديسمبر ٢٠١٦.. ونواصل عرض أهم ما يتعلق بالمعركة ضد هذا التنظيم الإرهابى بعدما أقام ما يسمى بدولته ومارس عملياته الإرهابية ومذابحه الدموية، إلى أن تم القضاء عليه.
سرايا الصحراء
فى محاولة لإستعادة التنظيم توازنه بعد الضربات التى تلقاها فى درنة وبنغازى واجدابيا وسرت، صدرت أوامر من قيادة التنظيم بالإنسحاب من مدينة سرت والتوجه إلى الصحراء بالجنوب الغربى، وتأسيس مجموعات مسلحة تحت إسم (سرايا الصحراء).
– تم إختيار منطقة الجنوب الغربى لتكون قاعدة التنظيم الرئيسية وذلك للأسباب أهمها، أن المنطقة لاتزال تحت سيطرة مجموعات مسلحة محلية ومسلحين من مصراته مما يعرف بـ(القوة الثالثة) وتنتشر بها الجريمة والتناحر القبلى، وكان يسيطر آنذاك على أجزاء واسعة من الجنوب الغربى المهربين ومليشيات المرتزقة التشادية والسودانية التى أحدثت تغيرًا ديموغرافيًا للسكان بالمنطقة، وأصبح الأجانب يفرضون الجزية فى الطرقات العامة ويحتلون المعسكرات ومرافق الدولة، وكان كل هذا قبل إعلان الجيش الوطنى الليبى التابع للقيادة العامة إطلاق عملية عسكرية لتحرير الجنوب الليبى فى ١٥ يناير ٢٠١٩ .
– تم إختيار مدينة سبها ومحيطها (مزارع غدوة) القاعدة الرئيسية للتنيظم وقيادته وبدأ التنظيم فى معالجة الجرحى والمصابين فى مستشفيات سبها وأسس قواعد له، وكذلك تم نشر تمركزات فى جحور بــ(جبال الهروج) ذات الطبيعة الوعرة والصخرية لتكون قاعدة متقدمة للتنظيم لمهاجمة تمركزات القوات المسلحة التابعة للقيادة العامة فى الجنوب الشرقى والإغارة على الحقول والموانىء النفطية ومنطقة الجفرة التى حررها الجيش الوطنى فى ٣ يونيو ٢٠١٧ وتمركز فيها .
طيران الأفريكوم يلاحق داعش خلال إنسحابه من سرت:
– خلال عمليات إنسحاب تنظيم داعش من مدينة سرت واجهت عناصر التنظيم ضربات جوية نفدتها قوات البنتاجون الأمريكى.. وبالرغم من إعلان إنتهاء العملية العسكرية فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٦، إلا أن البنتاجون واصل عملياته فى ليبيا بعد معلومات عن فرار مجموعات مع عناصر التنظيم بإتجاه الجنوب خلال الفترة منذ عام (٢٠١٧ – ٢٠١٨)، ونذكر ليس على سبيل الحصر بعض العمليات بحسب تصريحات رسمية للبنتاجون:
– أعلن البنتاجون عن ضربة جوية ألحقت خسائر بالغة بالتنظيم خلال الإنسحاب من سرت.. وبحسب تصريحات وزير الدفاع الأمريكى آنذاك آشتون كارتر (قصف معسكرين للتنظيم المتطرف قرب سرت ما أسفر عن مقتل أكثر من ٨٠ عنصرًا)، وذلك فى ١٩ يناير ٢٠١٧، ويقع الموقع على بعد ٤٥ كيلو مترًا جنوب مدينة سرت وهو معسكر مخصص للتدريب.
– أعلن البنتاجون عن غارة جوية إستهدفت موقع معسكر يستخدمه تنظيم داعش لإيواء المقاتلين ويقع على بعد ٢٤٠ كيلو مترًا جنوب شرق مدينة سرت وأدت الغارة لمقتل ١٧ عنصرًا من التنظيم وتدمير ثلاث مركبات تابعة له وذلك بتاريخ ٢٢ سبتمبر٢٠١٧”.
– أعلن البنتاجون عن مقتل العديد من عناصر تنظيم داعش فى ضربتين جويتين له فى ليبيا، فى منطقة تبعد حوالى ١٦٠ كيلومترًا جنوب شرقى مدينة سرت، فى ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧”.
– أعلن البنتاجون عن غارتين بضربات جوية ضد عناصر من التنظيم قرب قرية “الفقهاء” فى منطقة الجفرة، فى يومى ١٧ و١٩ نوفمبر ٢٠١٧”.
– شن البنتاجون غارة جوية بالقرب من مدينة بنى وليد إستهدفت أربعة عناصر مسلحين من تنظيم داعش أبرزهم عبدالعاطى أشتيوى أبوستة الورفلى ولقبه الكيوى، فى ٦ يونيو ٢٠١٨.
– أعلن البنتاجون عن غارة جوية دقيقة بالقرب من مدينة بنى وليد إستهدفت عنصرًا من تنظيم داعش، وذلك فى ٢٨ أغسطس ٢٠١٨.
إستراتيجية التنظيم بعد تعرضه للضربات الجوية:
نتيجة لما تعرض له التنظيم من ضربات جوية أمريكية فى الصحراء مكشوفة التضاريس، ولتفادى تلك الضربات، قسم التنظيم نفسه إلى عدد من السرايا بحسب مصادر وإعترافات المقبوض عليهم، ولم يتجاوز عدد السريا ٣ سرايا، تزيد أو تنقص بحسب التعداد البشرى، وكل سرية مقسمة لمجموعات لا تتجاوز الـ٢٠ عنصرًا وتتحرك فى آليات أقصاها ٥ آليات، وهى على النحو الأتى:
سرايا الصحراء المنطقة الغربية (سرية مالك ):
مناطق نفودها المنطقة الجنوبية الغربية وتمتد حتى جنوب سرت ومصراته وبنى وليد وإعتمدت السرية على عناصر داعش من تلك المناطق، وأمير السرية “مالك الصادق سالم احمد الخازمى” المكنى “الحاج إبراهيم أو أبوالبراء” وهو سجين سابق للانتماء لـ”تنظيم القاعدة بلاد الرافدين” وقتل فى عملية عسكرية للجيش الوطنى الليبى فى سبتمبر ٢٠٢١.
سرايا الصحراء، عمليات ضد المنطقة الشرقية (سرية حودة):
مناطق تمركزها (جبال الهروج) ونطاق عملياتها الجنوب الشرقى والإغارة على الحقول النفطية وقطع الطرق ونهب الآليات وفرض (الجزية) وخاصةً على (جهاز النهر الصناعى – قطاع النفط) وخطف الأجانب وإقامة الحدود عليهم، ونشرها الرعب بين الشركات النفطية العاملة فى ليبيا، كان أمير السرية “محمود على موسى عطية سليمان البرعصى” المكنى “مصعب الفاروق – أبومصعب الليبى” والملقب “حودة أو البغدادى” وهو أمير (إمارة بنغازى) وقيادى سابق فى (تنظيم أنصار الشريعة بنغازى) ومشارك فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى وأخطر عناصر التنظيم، وثبت مقتله فى عمليات عسكرية نفدها الجيش الوطنى بالجنوب الليبى فى يونيو ٢٠٢٠.
معسكر تدريب (أبو محمد):
وهو مركز تدريب وقطع الطريق على المهربين وإعتقال للمهاجرين ويضم معسكرًا للتدريب العسكرى ومعسكر إعداد فكرى لتدريس منهج التنظيم، وكان أمير المعسكر سودانى الجنسية يدعى (الوحى أحمد الزين – المكنى أبويلعى السودانى) ويساعده (أبو أحمد السيناوى) أمير فى داعش سيناء ومنظر فى التنظيم والذى بحسب تحقيقات كلفه البغدادى بالالتحاق بليبيا لاستعادة الزخم فى التنظيم.
أبرز عمليات تنظيم داعش ضد “حكومة الوفاق الوطنى” بالمنطقة الغربية خلال الفترة من عام (٢٠١٧ – ٢٠١٨):
– قال رئيس مكتب التحقيقات فى مكتب النائب العام الليبى السيد الصديق الصور (وحاليًا هو النائب العام) أنه تم التعرف على منفذى التفجيرات والإغتيالات والتى يتجاوز عددها ٢٠٠ واقعة فى كل المدن الليبية وسيتم تقديمهم للمحاكمة، وتم إصدار مذكرات قبض فى حق ٨٠٠ شخص مسؤولين عنها، وذلك فى ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧.
– شن التنظيم بتاريخ ٤ أكتوبر ٢٠١٧ هجومًا إستهدف مجمع المحاكم بمدينة مصراته، وأسفر عن وقوع شهداء وجرحى. وتبنى التنظيم العملية عبر ذراعه الإعلامى «وكالة أعماق»، وبحسب تحقيقات بمكتب النائب العام نفذ وخطط للعمليات فى طرابلس ومصراته خلية للتنظيم وكان أبرز المقبوض عليهم ضمن الخلية “أحمد عبدالسلام صالح مصباح الفيتورى الحامى – الكنية أبورعاثه” و”وليد حسين سالم أبورياقة – الكنية القعقاع” و”ساسى سالم ساسى محمد – الكنيه أبومحمد المصراتى” و”أيمن محمد صالح الراجحى – الكنيه الشايب” و”عيسى جعفر أحمد موسى”.
– نشر “جهاز قوة الردع الخاصة” طرابلس بتاريخ ٨ يناير ٢٠١٨ إعترافات خلية تتبع تنظيم داعش إعترف إثنان عناصرها أنهما كانا يخططان لتنفيذ عمليات داخل طرابلس وذلك بعد فشلهما فى زرع عبوات ناسفة، إحداها أمام معسكرات للجيش ومقرات أمنية، وعبوة أخرى لم تنفجر أمام مقر معسكر يتبع “عملية البنيان المرصوص فى طرابلس” وأخرى فى “سوق الدريبى” والعنصران هما:
– سراج خليفه على عبدالرحمن الجحاوى – المكنى “أبوهريرة “
– محمد محمد عبدالله بالة – المكنى “أبوأيوب “
– إستهدف تنظيم داعش بعملية إنغماسية مقر “المفوضية العليا للإنتخابات” فى طرابلس بتاريخ ٢ مايو ٢٠١٨ وأدى الهجوم لمقتل ١٢ شخصًا وجرح ٧ أشخاص، وتصدت الوحدات الأمنية للعملية وقتلت المهاجمين.. ونعنى بالعملية الانغماسية أن يخترق عنصر تابع للتنظيم الموقع الذى يراد تفجيره وهو مسلح بسلاحه بهدف قتل أى أشخاص متواجدين فى المكان، ويكون هذا العنصر مرتديًا حزامًا ناسفًا ولكن لا يستخدمه إلا حال شعوره بفشل مهمته وقرب القبض عليه.. وتختلف العمليات الانغماسية عن الانتحارية، فالأخيرة تعنى أن عنصرًا داعشيًا يكون مرتديًا حزامًا ناسفًا ويفجر نفسه فى المكان المحدد حسب تعليمات تنظيمه.
– استهدف التنظيم بعملية إنغامسية مقر “المؤسسه الوطنيه للنفط” فى طرابلس بتاريخ ١٠ سبتمبر ٢٠١٨ وأدى الهجوم لمقتل شخصين وجرح عشرة آخرين.. وأعلن التنظيم فى بيان له أن (جميع المؤسسات ستكون هدفًا لعناصره بحكم أنها تدعم فيمن يقاتلون عناصره) وإشتبكت وحدات مكلفة بحراسة المقر من “جهاز قوة الردع الخاصة” مع المهاجمين سمر البشرة وقتلت جميعهم.
– هاجم ثلاثة إنغماسيين من عناصر تنظيم داعش مقر وزارة الخارجية بحكومة الوفاق فى طرابلس صباح يوم ٢٥ ديسمبر ٢٠١٨ ودخلوا مبنى الوزارة وأحرقوه بالكامل وتسبب الهجوم بمقتل إثنين من العاملين بالوزارة وإصابة ٧ آخرين، إشتبكت وحدات من “جهاز قوة الردع الخاصة” مع المهاجمين وقتلتهم جميعهم وكانوا ثلاثة عناصر سمر البشرة.
طيران الأفريكوم يلاحق داعش خلال إنسحابه من سرت.
داعش والمهربون خلال الفترة من عام (٢٠١٧ – ٢٠١٨):
التعاون الوثيق بين عصابات التهريب وتنظيم داعش لم تعد من الفرضيات بل باتت من المسلمات، وخاصةً أن عصابات التهريب يقودها أشخاص نفعيين على إستعداد لأن يقوموا بأى شئ لأجل مصالحهم ولهم شبكة إتصالات دولية ومحلية ويتمتعون بنفوذ من خلال الأموال الطائلة التى يحصلون عليها من خلال التهريب، وهذا سيزيد من نفوذ التنظيم ويدعم تحركاته دوليًا ومحليًا.
– يمكن للتنظيم أن يأخذ نصيبه فى عمليات التهريب، سواء كانت نقدية أو عينية وفقًا لإحتياجاته وفى المكان الذى يخدم مخططاته وهذا يٌسهل عليه عمليات نقل الأموال لمناصريه بالداخل والخارج.
الخلاصة والتقييم الأمنى:
– بعد الهزيمة التى تلقاها “تنظيم داعش” فى عاصمته مدينة درنة ثم مدينة بنغازى ومدينة سرت، والتى شتت قدراته وأفقدته توازنه وثقله وزخمه وكذلك الهزائم على مستوى قيادة التنظيم فى سوريا والعراق، أضعفت تلك الإنتكاسات من قدراته وأخرجته من مرحلة السيطرة العلنية على المدن وتشكيل الجيوش وإدارة المدن، وعاد إلى سيرته الأولى كتنظيم سرى يعتمد على الهجمات الإرهابية والعمليات الإنتحارية. وفى محاولته لإستعادته توازنه، شكل التنظيم وفقًا لظروفه الجديدة ما يعرف بـ”سرايا الصحراء” لينفذ عمليات إرهابية خاطفة بأساليب مختلفة ومتنوعة ثارةً “عمليات إنتحارية” وتارةً “عمليات إنغماسية” وتارةً “عمليات سطو مسلح” على الأفراد والقرى والطرقات وأخذ الأسرى والتمويل.
لايزال التحقيق مستمرًا.. فى الحلقة التالية، سيكون لنا تقرير آخر عن تحرير الجنوب الليبى من داعش بواسطة الجيش الوطنى الليبى التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة لتبدأ مواجهات وعمليات ملاحقة فلول التنظيم، خلال الفترة من (٢٠١٩ إلى ٢٠٢٢).
لمطالعة الحلقة الثانية من هنا