مقالات الرأي

الهدنة والاجتياح

بقلم/ ناصر سعيد

منذ أكثر من 6 أشهر، تشن إسرائيل حربا على غزة خلفت أكثر من مائة ألف بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، و10 آلاف مفقود تقريبا وسط دمار هائل طال المرافق السكنية والصحية والتعليمية ومقار الاغاثة.

واصلت إسرائيل عدوانها رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف القتال، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني.

وبالمقابل لازال بنيامين نتنياهو”، غارقًا في أوهامه، بسحق حركة المقاومة، وإرغامها على الاستسلام، وإلقاء السلاح، والخروج من قطاع غزة، مثلما يتوهم، تحرير أسراه، لدى المقاومة الفلسطينية، بالقوة العسكرية.. مع أن الأسرى المُحررين في مرات سابقة عديدة.. كانوا، نتاجًا لصفقات تبادل مع حركة المقاومة، كما أن عدوانه المتوحش على قطاع غزة، تكفل بالتدليل، والإثبات، بأن سحق المقاومة غير ممكن عمليًا، فـ “المقاومة”، تمتلك عقيدة، تحكم مسارها، ورؤيتها للقضية الفلسطينية، التي ترتكز على مشروع تحرير الأراضي المُحتلة. 

أن الإرهابي نتنياهو، لم يكن ليتراجع عن تنفيذ عملية عسكرية في رفح، ذلك لاعتبارات شخصية منها محاولة اطالة عمر حكومته، وايضا تلبية لرغبة اليمين الصهيوني المتطرف، ولهذا رغم تخوف ادارة بايدن من تدهور الاوضاع

ومن تم عدم رغبتها في تنفيذ عملية عسكرية موسعة في رفح لربما تتوسع وبالتالي تحرج موقفها امام اتباعها من الحكام العرب المطبعين.

إنّ “ورقة اجتياح رفح”، التي أرادها نتنياهو أداة لكسر إرادة المقاومة لم تفلح في تليين مواقف “المقاومة”، وإضعافها تفاوضيًا.. بل أظهرت المقاومة، صلابة، وتمسكًا بشروطها لصفقة التبادل، بالوقف التام لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من القطاع، وإطلاق   الأسرى الفلسطينيين، 

وقد توعد الناطق باسم كتائب القسام “ابوعبيده”، في إطلالته الأخيرة، بأن “جيش الاحتلال”، العالق في رمال غزة.. لن يحصد في رفح، سوى المزيد من الخزي والعار والانكسار، أمام بأس المقاومة وانتقامها.. مُشددًا على أن المقاومة راسخة رسوخ الجبال الفلسطينيةـ هكذا، فإن “ورقة رفح” التي علق عليها “نتنياهو”، آماله في هزيمة المقاومة سياسيًا.. صارت هي نفسها واحدة من أعمق أزماته. فجيشه يخشى التورط في رفح، بعدما فشل في شمال ووسط غزة، ناهيك، عن اعتراض الولايات المتحدة.. ليس حُبًا في غزة.. بل إدراكًا منها، لخطورة الإقدام على هذه الخطوة عسكريًا على الكيان، وخطورتها.

ويمكن هنا القول إن الفشل فى هذه الحرب كان من البداية أمنيا واستخباراتياً وعسكريا.. فمازالت إسرائيل بعد 218 يوما من المعارك تبحث عن أنفاق غزة ولم تصل إلى قادة المقاومة ولم تعرف كيف تستعيد أسراها ولم تحسم حربا برية أمام صمود المقاومة التي تقف وحيدة أمام ترسانة عسكرية لم يشهدها العالم فى حروبه من قبل

إن اقتحام رفح لن يحقق لإسرائيل وأمريكا نصرا ولن يفتح الأبواب أمام حشود الشامتين، والذين تركوا الشعب الفلسطيني يواجه المحنة، وسوف يذكر التاريخ أن شعبا أعزل صمد أمام حشد مهول من القوى الامبريالية.

عليه أعتقد أن السفاح نتنياهو لن يتوغل في رفح وسيكتفي بعملية جراحية تحفظ له ماء وجهه أمام معسكر اليمين الصهيوني ولعلها تنقد حكومته من السقوط، وسوف يقبل تدريجيا باتفاق الهدنة الذي يعد اعلان هزيمة لإسرائيل التى استخدمت كل ما لديها من وسائل القتل والدمار وقدمت أمريكا كل قدراتها من جيوش وسلاح وأموال ودعم دولي.

فلا إسرائيل انتصرت ولا المقاومة اختفت ولا أمريكا جنت الثمار.

زر الذهاب إلى الأعلى