ملفات وتقارير

10 سنوات على “ثورة الكرامة” والانتصار على الإرهاب

تقرير سيد العبيدي


برزت “ثورة الكرامة” كحدث تاريخي له دلالته وانعكاساته على الوضع الليبي الذي ارتهن بالكامل لما أحدثته المؤامرة الدولية على الشعب الليبي وقواته المسلحة وعلى النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الأخلاقي وانتهاك سيادة الدولة واستقلالها وتقييد حرية المواطن ونهب ثرواته، حيث مثلت “عملية الكرامة” التحدي الأكبر والأقوى في التصميم والعزم على مواجهة الإرهاب المتمثل في العصابات الإجرامية التي استولت على مؤسسات الدولة وسلاح القوات المسلحة وعتادها ومعسكراتها بتمكين من حلف شمال الأطلسي الذي شن عدوان ظالم على دولة حرة مستقلة في تحالف دولي قادته دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

الشرارة الأولى للكرامة


في 16 مايو 2014 أعلن المشير خليفة حفتر انطلاق ثورة الكرامة المسلحة من مدينة بنغازي لمواجهة الإرهاب وتخليص الدولة الليبية من سيطرة المنظمات المسلحة الإرهابية وإعادة بناء القوات المسلحة العربية الليبية كمؤسسة وطنية ضامنة لأمن واستقرار ليبيا وعودتها إلى دورها الوطني والإقليمي وصيانة استقلالها وأن تعود للدولة الليبية هيبتها ومركزها السياسي والاستراتيجي وحفظ ثروة الليبيين وأجيالها القادمة وأن تدار الدولة بسلطة يقررها الليبيون وأن يتم فوراً التحول إلى بناء سلطة وطنية لدولة مدنية دون تدخل خارجي.


بدأت القوات المسلحة العربية الليبية وفق تنظيماتها العسكرية والاستخباراتية من خلال العمليات اليومية في تنفيذ الخطط والعمليات اللوجستية وفق الظروف والإمكانيات التي تتسارع وتيرتها في التنظيم والإعداد والتسلح وتدريجيا تحول إلى عمل جبار بأيدي وعزيمة كل من التحق بالقوات المسلحة من ضباط وجنود وبروح وطنية عالية من المقاتلين الذين التحقوا بالمؤسسة العسكرية، ومن هنا تنادى ضباب وجنود القوات المسلحة في المدن الكبرى في الساحل الشرقي من البلاد بالالتحاق بمعسكر اتهم وتم دعم هذا النداء بقيادات وأفراد الأجهزة الشرطية والأمنية وبتحول مجلس النواب إلى طبرق وانتقال الحكومة إلى مدينة البيضاء استكملت القوات المسلحة العربية الليبية بناء قيادتها وهيكلها، لتبدأ معركة تحرير مدن الساحل الشرقي والبداية من مدينة بنغازي لتحريرها من العصابات المسلحة.


كما كان إعلان ثورة الكرامة عن أهدافها الوطنية نقطة تحول في مسار مدن الساحل الشرقي التي تحولت إلى داعم جماهيري قوي تمثل في زيارات متوالية للوفود الشعبية والقبلية إلى مقر قيادة القوات المسلحة العربية الليبية لمؤازرة الجيش في حربه ضد هذه الجماعات الإرهابية، كما شكلت مدن الساحل الشرقي بداية من بنغازي مروراً بمختلف المدن والمناطق الأخرى حاضنة للقوات المسلحة وانضم شباب هذه المناطق والمناطق التي أعلن الجيش الوطني تحريرها مستقبلاً إلى قوات مساندة وضاربة ومؤثرة في تحقيق النصر .

المشهد قبل اندلاع ثورة الكرامة


عاشت ليبيا قبل اندلاع “ثورة الكرامة” أبشع فترة في تاريخها المعاصر بعد العدوان الظالم لحلف الناتو الذي خلف هجين من العمل الإجرامي والإرهابي بقيادة تنظيمات الإسلام السياسي الإرهابي من الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة ومجلس شورى بنغازي و درنة وداعش الذين استولوا على السلطة و مقاعد المؤتمر الوطني، وصاحب ذلك حركة نزوح وتهجير خطيرة خارج البلاد وداخلها، بالإضافة إلى قيام العصابات المجرمة بكل مسمياتها بالتحول إلى تنظيمات عسكرية موازية للقوات المسلحة الوطنية وفقا لعقيدة الإخوان المسلمين.


الأحداث في بنغازي

شهدت مدينة بنغازي حوادث قتل وتفجيرات واغتيالات ممنهجة قامت بها عناصر مجلس شورى بنغازى الارهابي بدأت بمقتل السفير الأمريكي، كما قتل 40 متظاهراً على يد مجلس شورى بنغازى الارهابي، فيما سمي بـ “السبت الأسود” بعد احتجاجات منددة بممارسات المتطرفين ضد المدنيين، كما وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” العديد من الإساءات والانتهاكات التي وقعت ضد المدنيين على أيدي المليشيات، شملت الاختفاءات القسرية في سجون سرية بدون مراجعة قضائية والتعذيب الذي يفضي، كما قتل في ديسمبر 2013 نحو 13 جنديا وإصابة 3 أخرين عند نقطة تفتيش على الطريق قرب بوابة “برسس” الواقعة على بعد نحو 50 كيلومترا من بنغازي في هجوم إرهابي.

مطلع العام 2014 قتل ضابط بالقوات الخاصة بمدينة بنغازي على يد مجهولين أطلقوا وابلاً من الرصاص على سيارته بطريق النهر ببنغازي، واردوه قتيلاً، ليرتفع عدد حالات الاغتيال خلال خمسة أيام إلى 17 شخصا بينهم رجال أمن بالشرطة والجيش في عمليات استهداف ممنهج لرجال الجيش والشرطة والاستخبارات، كما قتل جندياً وأصيب آخر حين انفجر لغم وضع قرب نقطة تفتيش للجيش في بنغازي، وقتل العقيد مولود الزوي كما قتل الضابط سليمان الفسي بانفجار سيارته وأصيبت زوجته وولداه بجروح إثر انفجار نتج عن عبوة ناسفة وضعت تحت السيارة، كما تعرض مقهى في المدينة بنغازي يسمح للنساء بارتياده الى هجوم بعبوة ناسفة خلف أضرارا مادية من دون تسجيل إصابات.

وفي 26 مايو قتل المتطرفون الصحفي مفتاح بوزيد، المعروف بمناهضته للجهاديين في مدينة بنغازي، وفي أبريل 2015 قتل خمسة صحفيين يعملون لحساب محطة تلفزيونية من قبل الجماعات المتطرفة كما تم قتل سلوى بوقعيقيص وغيرهم الكثير من قادة الرأي والمفكرين والمثقفين والسياسيين، كما حاول المتطرفون تمرير قانون العزل السياسي، وفرض التنظيم الإرهابي قيود على المقيمين والنخبة وقادة الأحزاب.

كما حدث خلال تلك السنوات التي سبقت ثورة الكرامة استهداف ممنهج لرجال الشرطة والجيش والقضاء والصحافة والسياسيين والإعلاميين من قبل الجماعات المتشددة التي صادرت حقوق المرأة الليبية ومارست كافة أشكال التمييز والعنف والقمع الممنهج ضد المرأة، كما اختطفت الجماعات المتشددة عشرات الصحفيين والمحامين، كما شملت عمليات القتل القضاة وأعضاء النيابة العامة.

درنة قبل ثورة الكرامة

أما بالنسبة لمدينة درنة كانت بيئة خصبة للعناصر الجهادية العابرة للحدود والقادمة من أفغانستان والعراق والجزائر ومصر وتونس، بعد أن تحولت إلى إمارة إرهابية يقطنها جميع التنظيمات المتطرفة، حيث شهدت المدينة أكثر من 65 عملية اغتيال خلال العامين 2012 و2013، وتم توثيق 120 عملية أخرى حتى العام 2016، بينما تشير مصادر محلية الى أن العدد الجملي لمن تعرضوا للتصفية الجسدية بالمدينة حتى نهاية 2017 تجاوز 240 ضحية سواء بإطلاق الرصاص أو بالعبوات المزروعة في السيارات أو بقطع الرؤوس أو بالسحل أو بالصلب أمام بصر العالم والمجتمع الدولي وكل ذلك على يد تنظيم شورى درنة الموالي للقاعدة وتنظيم داعش الإرهابي.


وقد طالت الاغتيالات عسكريين وأمنيين وقضاة ومسؤولين محليين سابقين وفنانين وناشطين حقوقيين، ووصل الأمر إلى حد قطع رؤوس عسكريين في مشاهد استعراضية أمام الأطفال، وفي نوفمبر 2014، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الجماعات المسلحة المسيطرة على مدينة درنة تروع السكان من خلال عمليات إعدام ميداني وجلد علني وغير ذلك من ضروب الانتهاكات العنيفة، وتتم الانتهاكات في غياب سلطات الدولة وسيادة القانون.
ومنذ 2013 قام معتدون مجهولون في درنة باغتيال ما لا يقل عن 5 من القضاة وأفراد النيابة، وبرلمانية سابقة ومسؤولة أمنية، كما قامت المليشيات المسلحة بمهاجمة وتدمير أضرحة في مساجد، وبينها مسجد الصحابة التاريخي في درنة.


وقد تم اغتيال محمد نجيب هويدي، رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الجبل الأخضر، ومحمد خليفة النعاس مساعد النائب العام بمنطقة الجبل الأخضر، وتوفي القاضي المتقاعد يوسف الكريمي في تونس إثر جراح لحقت به أثناء محاولة اغتيال في درنة، كما اغتيل نائب ليبيا العام السابق عبد العزيز الحصادي، والقاضي السابق محمد بوعجيلة المنصوري، واستهدف معتدون مجهولون في 2014 سيدتين وقتلوهم، وهما النائبة البرلمانية فريحة البرقاوي وسلوى يونس الهنيد، كما أعلن عن مقتل سيدة ثالثة بالرصاص، بعد أسابيع فقط من مقتل زوجها الضابط الجيش السابق.

كما تعرضت امرأة أخرى تدعى حنان يوسف إلى وابل من الرصاص لتلفظ أنفاسها الأخيرة على عين المكان، وذلك بتهمة ممارسة السحر والشعوذة، واغتيلت نجيّة ستيتة بسبب قيادتها السيارة، والإثنين الموافق 20 أبريل 2015، اشتبك شباب عائلة عيسى أحرير المنصوري، مع عناصر تنظيم داعش، بمنطقة شيحا غربي مدينة درنة، بعدما هاجم أكثر من 30 إرهابياً بقيادة المدعو “حسن بوذهب” منزل عائلة عيسى أحرير المنصوري، بزعم القصاص من “محمد عيسى أحرير المنصوري” و تطبيق الحد عليه، لاتهامه بقتل أحد أعضاء التنظيم .
واستمرت الاشتباكات بين عائلة عيسى أحرير المنصوري، وتنظيم داعش الإرهابي لنحو 12 ساعة، انتهت بمقتل ستة أفراد من العائلة بينهم امرأتان وإصابة الوالدة بعد تفجير المنزل بالعبوات الناسفة بمن فيه، وقتل من صفوف تنظيم داعش 10 أشخاص وجرح أكثر من 20 آخرين، وهو ما دفع التنظيم بالتنكيل بجثث ضحايا المنصوري، في محاولة لاسترداد هيبته بالمدينة، فصلب 3 جثامين من العائلة بالمدخل الغربي للمدينة .
وشارك في الهجوم الذي شنه داعش على منزل أحرير، متطرفين أجانب أبرزهم المتطرف المصري هشام عشماوي، والذي تم إعدامه في 4 مارس 2020، بعدما تمكنت قوات الجيش المسلحة من اعتقاله بعد تحرير درنة وتسليمه للسلطات المصرية لارتكابه عدة جرائم إرهابية داخل مصر.

سرت قبل الكرامة


وفي مدينة سرت الذي لجأ إليها تنظيم داعش الإرهابي بعد خسارته أحد أكبر معاقله في مدينة درنة بدأ يمارس أبشع الجرائم في حق الإنسانية من قتل وتعذيب وخطف وابتزاز، وكان ضمن ضحايا تنظيم داعش الإرهابي المواطن حمد سالم بوزميته الذي أعدم وتم صلبه والتنكيل بجثمانه بجزيرة الدوران الزعفران بالمدخل الغربي للمدينة بتهمة التجسس لصالح مليشيات فجر ليبيا .


ووجه التنظيم تهمة التجسس للمواطن حمد سالم بوزميته الفرجاني بعد أن وقع في أيادي عناصر التنظيم اليومين الماضيين، ونفذ التنظيم جريمته أمام أهالي المنطقة بقصد الترهيب والتخويف بأن هذا سيكون مصير أي شخص يقف مع أي جهة مناهضة للتنظيم. وألبس التنظيم الضحية “بوزميته” بدلة الإعدام وتم إعدامه بالرصاص وقام بتصليبه، وقام داعش بكتابة “جاسوس فجر ليبيا” بالقرب منه.
وشهدت المدينة العديد من العمليات الانتحارية التي طالت مراكز أمنية ونقاط تفتيش بضواحي المدينة وأعلن التنظيم تبنيه للعمليات ولكن ساس مصراتة ينفوا وقوع همات انتحارية على المدينة، كما قام تنظيم داعش الإرهابي بذبح المواطن المتطوع في صفوف القوات المسلحة عبد النبي الشرقاوي بمسجد العتيق بمدينة درنة أمام الناس بعد القبض عليه من قبل عناصر التنظيم بمحور القتال هناك وحكم عليه بالإعدام بالذبح أمام الناس وتم التنكيل بجثته.
وبدأت النزاعات بين جماعات فجر ليبيا وتنظيم الدولة بعد مطالبة تنظيم الدولة مليشيات مصراتة بمبايعة المدعو أبوبكر البغدادي، وتمكنت قوات تنظيم الدولة من طرد مليشيات فجر ليبيا من سرت.
واستولى داعش على ميناء سرت والقاعدة الجوية وأهم محطة طاقة وإذاعة، وكذلك على جميع المكاتب والموارد المالية الحكومية. أنشأ 3 سجون على الأقل، أحدها في روضة أطفال سابقة، ولا يسمح بإجراء اتصالات بالخارج إلا عبر مراكز الاتصال التابعة له. كما أغلق جميع المصارف باستثناء واحد بقي مفتوحا لعناصره.
وفر حوالي ثلثي سكان سرت المقدر عددهم بـ 80 ألف من المدينة منذ دخول داعش إليها. لا توجد مخيمات في ليبيا للفارين من سرت، كما تم اغتيال المدنيين، أو المقاتلين المصابين والمأسورين على يد عناصر التنظيم الإرهابي.
الجنوب قبل عملية الكرامة
ولم يختلف الحال في مدن الجنوب الليبي عن مدن بنغازي ودرنة وسرت قبل قيام انطلاق ثورة الكرامة، حيث ارتفعت معدلات الجريمة وأعمال الخطف والحرابة والسرقة والفوضى والنهب والتهريب وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية من قبل العصابات التشادية والسودانية.

وانتشر العصابات التشادية في مناطق عديدة من سبها مروراً بأوباري وأم الأرانب والجفرة وبراك الشاطئ حوض مرزق بالجنوب وكان لديهم تواجد على الأرض حيث يقيمون في منازل ولديهم سيارات، واختطف العصابات التشادية أفراد من قبيلة الزيادين بعد اشتباكات راح ضحيتها 10 جنود من رجال القوات المسلحة في ظل استمرار العصابات الإجرامية في انتهاك السيادة الليبية وتهديد الأمن القومي ونهب الثروات لاسيما مناجم الذهب.

الدعم الرسمي والخارجي

خاض مجلس النواب معركة دبلوماسية وسياسية على المستويين الإقليمي والدولي بالتوازي مع المعركة العسكرية للقوات المسلحة العربية الليبية، حيث بدأ بالتواصل مع الأمم المتحدة والدول الإقليمية والعالم الخارجي الذي استقبل إعلان ثورة الكرامة بمتابعة واهتمام شديدين وغطى مجلس النواب الشرعية بترقية وتسمية المشير خليفة بلقاسم حفتر القائد العام للقوات المسلحة العربية واعترفت دول عربية وأجنبية بالدور الذي قام به المشير خليفة والقيادة العامة في تحقيق وحدة ليبيا واستقلالها وعودة الدولة الليبية إلى ريادتها وقدرتها على المساهمة في تعزيز السلم والأمن الدوليين.

زر الذهاب إلى الأعلى