مقالات الرأي

في الوحدة الوطنية  !

بقلم/ مصطفى الزائدي

يتعرض جسم الدولة الليبية  إلى مخاطر جدية لتقسيمه وتفتيته ، سواء بالأطروحات التقسيمية الجغرافية  التي تروج إلى فكرة أن ليبيا تتكون من أقاليم مختلفة وتاريخية ، ولا مخرج من أزمتها إلا بالاعتراف بذلك وبناء الدولة الجديدة على أساسه حتى لو ادى ذلك إلى بناء دول جديدة على أساس تلك الأقاليم التي صنعت في زمن الادارة البريطانية القصير ،، أو بالأطروحات  القبلية  التي  تدعو إلى فرض هيمنة قبيلة او جهة على المشهد الليبي وتسخير الدولة ومواردها لخدمة هذه القبيلة او تلك الجهة ، وتم التنظير لذلك من خلال أطروحات حق المدن المنتصرة في الصراع  عام 2011 في ادارة الدولة ومهد ذلك لفترة تقاسم السلطة بين مصراته والزنتان والزاوية في حكومات الكيب وزيدان !!

 هذه الأطروحات كلها   هي في الواقع جزء من عملية ضخمة يقودها الغرب المتدخل في ليبيا للحفاظ على وجوده في هذه المنطقة المهمة جدا من شمال أفريقيا وجنوب المتوسط ، من خلال دعم تحويل الصراع بينه وبين الشعب الليبي إلى صراع مستدام بين الليبيين  يمكنه استغلاله لفرض نفوذه وتحقيق أهدافه !

‏لقد شهد الوطن الليبي دعوات محمومة طيلة السنوات الماضية  للتقسيم  بالرغم من صلابة النسيج الاجتماعي الليبي و ترابط الجغرافيا الليبية ، فالليبيون في أغلبيتهم ينتمون إلى مكون واحد و قد يرجعون في نسبهم إلى قبيلة واحدة ، تشكل مع بقية المكونات على حجمها الصغير النسيج الليبي الموحد ، فهناك  تداخلات وارتباطات اجتماعية كبيرة داخل كل القبائل و التكوينات الاجتماعية الليبية ، وفي  كل قبيلة بطون و أفخاذ  من قبيلة أخرى ،بسبب الهجرة المتكررة والبحث عن إمكانيات الحياة في ظروف بيئية ومناخية صعبة، و نتيجة المصاهرة، كما أن مواطن القبائل والتكوينات  الليبية منتشرة  تقريبا في كل ليبيا ، فقبائل الغرب الليبي  تشكل جزءا مهما من الكتلة السكانية في الشرق والجنوب، وتوجد كتلة مهمة أيضا من سكان الشرق الليبي في الغرب و الجنوب، أما سكان الجنوب بكل مكوناته فهم يشكلون كتل سكانية مهمة في الشمال شرقا وغربا .

هذه المعطيات الجغرافية والسكانية  مكنت الليبيين من التعايش السلمي طيلة قرون رغم والسيطرة الأجنبية قبل الأتراك وبعدهم اثناء الاستعمار الاستيطاني الإيطالي  وإلى يومنا هذا، من جانب أخر كل الليبيين مسلمون، وفي غالبيتهم الساحقة يتبعون المذهب المالكي وقلة منهم تتبع المذهب السني الأباضي، ولا توجد خلافات مذهبية ولا اجتماعية حقيقية بين الليبيين، و لم يسجل التاريخ المعاصر و لا البعيد صراعات وحروبا حقيقية بين المكونات الليبية، فالحروب والصراعات  كانت تجري دائما بين الليبيين وأجانب يحاولون احتلال بلادهم، وكان المحتلون  يلجأون إلى طرق قمعية عنيفة و وحشية تنتهي  بالتطهير العرقي بتهجير ملايين الليبيين من بلادهم إلى مصر وتونس والنيجر وتشاد و دارفور ، سواء إبان سطوة الاستعمار التركي أو نتيجة الحملة العنصرية الإيطالية في القرن الماضي، لكن ليبيا بجغرافيتها  الواسعة وموقعها المهم وعدد سكانها القليل كانت دائما مطمعا و محل صراع بين الأطراف الدولية المختلفة ، وكانت في فترات طويلة من تاريخها ضحية لعمليات استعمار وقمع  ومحاولات مستمرة للتقسيم  لكنها كانت دائما تنتصر على أعدائها  وتحافظ على وحدتها  وترابط شعبها ومتانة نسيجها الاجتماعي  .

اليوم تتجدد هذه المخاطر إلى درجة صارت  تشكل تهديدا حقيقيا لكيان  الدولة الليبية الجديدة ، لذلك كانت المطالب الدائمة المستمرة للنخب السياسية والقيادات الاجتماعية بضرورة العمل على الحفاظ على وحدة  ليبيا،

‏استنادا إلى الترابط السكاني والوحدة الدينية والمذهبية  ووحدة المصير والتاريخ المشترك بين الليبيين وبالرغم من أن هذه المعطيات هي أهم ركائز  الوحدة الوطنية ، إلا أنها ليست كافية وحدها للحفاظ عليها ، لذلك فإنه من المهم أن تعمل المكونات السياسية والمجتمعية على أن تكون ضامنا ثابتا ودائما لوحدة الوطن بأن تتأسس على قاعدة مشاركة جميع الأطياف السكانية والمذهبية فيها وأن تضع في مقدمة ثوابتها الوطنية الحفاظ على وحدة ليبيا شعبا وأرضا،  وأن تتصدى إلى الأطرات التي تعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي وفي مقدمتها محاولات أطروحات التمذهب الديني ونشر الفتنة بين المسلمين  التي  لا قاعد لها في ليبيا  وخاصة بعد  أن فشلت المحاولات التي استمرت بدعم خارجي طيلة العقود الماضية في فرض أجندات التكفيريين المختلفة والسلفيين بشقيهما الدعوي والجهادي  وغيرهما ، وأيضا ينبغي العمل على مواجهة الدعوات القبلية والإثنية  التي يحاول الغرب المستعمر النفخ فيها و تأجيجها  ، فهي لا تهدف  إطلاقا إلى خدمة المكونات الاجتماعية ولا القبائل بل يسعى الاستعمار لاستخدامها لتفتيت ليبيا حتى يتمكن  من ابتلاعها ونهب خيراتها، وتصفية حساباته مع خصومه على أرضها .

زر الذهاب إلى الأعلى