مقالات الرأي

إحياء اتحاد المغرب العربي ضرورة أم اختيار؟

عبدالمجيد قاسم

قيام اتحاد المغرب العربي كان يهدف إلى تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض لتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها

تسارع الأحداث منذ بداية الألفية الراهنة جعل معظم دول العام تعيد النظر في خياراتها الاستراتيجية، بل فرض على هذه الدول ضرورات لم تكن موجودة منذ نشأتها.

والتغيير بتسارع الأحداث نشير فيه إلى مجمل ما شهده العالم من تغير على الصعيدين السياسي والاقتصادي، خاصة منذ أن أعلن جورج بوش الأب بداية ما وصفه بالنظام العالمي الجديد، وتبعه ما يعرف بسياسة الفوضى الخلاقة التي أطاحت بعديد الأنظمة، وهزت اقتصاديات عديد الدول، وبات على الجميع إما الدخول في فلك هذا النظام بما يعنيه من هيمنة، وارتهان، أو التصدي لإملاءاته، وكان هذا الأخير أشبه بالوقوف أمام موجة تسونامي، تحتاج إلى قوة إضافية، وتحتاج إلى توثيق العرى في الفضاء المحيط، وشبك الأيدي مع المشاركين في ذات المحيط أو الفراغ الجيوسياسي، فكانت بالنسبة إلى ليبيا وفراغها المغاربي فكرة تدشين اتحاد مغاربي سياسي واقتصادي يمكن عن طريقه الوقوف ضد موجة التسونامي الكاسحة التي كانت مرتقبة ومحتومة.

وقد وجد قادة المغرب العربي أنفسهم مضطرين إلى التواصل في فضائهم، تحسبًا لما سيأتي، وتم الاجتماع بمدينة زرالدة في الجزائر يوم 10/6/1988 وتم إصدار بيان (زرالدة) الذي أفصح فيه هؤلاء القادة عن رغبتهم في إقامة اتحاد مغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق هذ الرغبة.

وقد أعلن عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17/2/1989م، بمدينة مراكش من خمس دول هي: ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا.

وكانت الأهداف المعلنة للاتحاد هي:

تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض؛ لتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها.

فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.

التنسيق الأمني والعسكري، والدفاع المشترك عن سيادة البلدان الأعضاء في الاتحاد.

في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، وعد أي اعتداء على دولة من الدول الأعضاء اعتداءً على كل أعضاء الاتحاد.

في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.

نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف.

في الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية، والزراعية والتجارية، والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.

في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على مستوياته كافة، مع الحفاظ على القيم الروحية، والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.

وقد تم النص على بعض الأجسام لتحقيق هذه الأهداف، فقد ضمت الهيكلة التنظيمية للاتحاد خمس عشرة آلية تتوزع بين اللجان والمؤسسات المتخصصة في مجالات معينة مثل مجلس الرئاسة واللجان الوزارية المتخصصة والأمانة العامة ولجنة الأمن الغذائي والهيئة القضائية للاتحاد المغربي.

ويقع مقر الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي في الرباط، فيما تحتضن الجزائر مقر مجلس الشورى، ويقع في نواكشوط مقر الهيئة القضائية للاتحاد، وتستضيف تونس المصرف المغاربي، وفي العاصمة طرابلس مقر كل من الأكاديمية المغربية وجامعة المغرب العربي.

وقد مر هذا الحلم المغاربي بفترة طويلة من الركود، شارفت على الثلاثين عامًا، ولم تتم الاستفادة منه كما ينبغي، وهذا بسبب اختلاف الرؤى بين القادة حول كثير من القضايا الإقليمية والدولية.

الآن الضرورة باتت ملحة لتفعيل هذا الاتحاد، فهو ليس مجرد خيار، بل ضرورة، يستشعرها الجميع، وهو ما حدا برئيس المجلس الرئاسي الليبي إلى الإعلان عبر بيان نشره مكتبه إلى استعداد ليبيا للمساهمة في تفعيله، واستئناف اجتماعاته، لكن الأمر يجب أن يتعدى التصريحات إلى حيز المبادرات الفعلية، خاصة مع تنامي الأزمة الاقتصادية العالمية، وما تقوم به جماعات القوة في العام من إعادة ترتيب الأوراق، بل والعمل على إعادة رسم الخارطة الدولية وخاصة لمنطقة الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى